تحتضن المملكة الكثير من الآثار والأماكن التاريخية، التي يعود عمرها لآلاف السنين وتشكل مدائن صالح بمنطقة العلا في طرفها الشمالي ومنطقة الأخدود في طرفها الجنوبي أحد أبرز الشواهد التاريخية لأقوام عاشت هناك، ومن ثمّ انتهى بها المطاف لتتحول إلى أطلال تذكر في الكتب والدراسات التاريخية، لكن الجانب المهم الذي يراه كثير من المؤرخين والمختصين بالحضارات السابقة هو قلة الاهتمام من قبل الجهات المختصة بهذه الأماكن الأثرية وتحويلها إلى أماكن سياحية يقصدها السائحون والزائرون من كل مكان، وهذا راجع على حد تعبير البعض إلى المواقف التي يقف فيها بعض الشرعيين موقف المتحفظ أو المحرم لهذه الظاهرة، وذلك نظرًا لاستنادهم إلى بعض النصوص الشرعية التي تنهى عن زيارة أماكن العذاب كمدائن صالح وغيرها، حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه لما مر على مدائن صالح قال لأصحابه: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين؛ لئلا يصيبكم ما أصابهم»، ومع توجّه الدولة إلى تطوير مرافق السياحة واهتمام الكثير من غير المسلمين بالتعرف على الإسلام بصفة عامة، ومعرفة الحقائق التاريخية في المواقع التاريخية الموجودة بالمملكة، وتطور وسائل الاتصالات والمواصلات، ألا يستدعي كل هذا أهمية تقديم دراسات ورؤى شرعية وإعادة دارسة ما يعرف بفقه السياحة من منظور شرعي جديد يراعي الأحداث والمستجدات على الساحة؟ أسئلة تطرحها «الرسالة» على عدد من الشرعيين والمفكرين في مجال الحضارة والتاريخ القديم، والخبراء في مجال السياحة والاقتصاد في إطار التحقيق التالي: بداية يعتقد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى الدكتور عدنان بن محمد الشريف، أنّ القضية ليست متعلقة بحرمة زيارة الأماكن التي أنزل الله على أقوامها العذاب، فمدائن صالح على سبيل المثال والموجودة في محافظة العلا ليست هي المنطقة التي وقع عليها العذاب، فهي عبارة عن مدينة نبطية لا يوجد ما يشير أو يثبت إلى أنّ قوم صالح الذين عذبهم الله كانوا موجودين في منطقة مدائن صالح، متسائلًا عن ماهية وجود حرمة من زيارة الآثار التاريخية، حيث إنّ هناك نصوصًا كثيرة تدعو للتدبر بالأقوام الأخرى لما مر وحلّ بهم من العذاب، إضافة إلى أنّ بعضًا من الصحابة كانوا قد مروا على آثار القوم المعذبين أثناء حلهم وترحالهم، ومن هنا فإنّ زيارات الأماكن التاريخية والتردد عليها تعطي الإنسان الاستفادة من تجارب الماضي ومعرفة الأقوام الذين حلّ عليهم العذاب. ويوافق الشريف على أهمية إيجاد دراسات علمية شرعية في ما يعرف بفقه السياحة من منظور شرعي جديد يراعي الأحداث والمستجدات على الساحة قائلًا: «الشريعة الإسلامية قابلة للتكيّف مع كل زمان ومكان وهي قادرة على استيعاب المتغيرات ضمن ضوابط الكتاب والسنة، ولا يوجد أي عائق في إيجاد فقه سياحي من قبل الفقهاء والباحثين والشرعيين لخدمة أهداف المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، منوهًا إلى أنّ السائح الأجنبي حينما يأتي إلى المملكة فإنّه حتمًا يعرف القيمة الحقيقية لهذا البلد وما له من تاريخ عريق في بناء الحضارات الأخرى. الآثار نوعان من جانبه يقسّم الأكاديمي والباحث الشرعي الدكتور جميل اللويحق، المواقع الأثرية إلى نوعين، إمّا مواقع لآثار وبقايا الأمم السابقة التي حلّ عليها عذاب الله، وهذه الأماكن تبقى على سبيل الاتعاظ، ولا يستساغ تحويلها إلى أماكن سياحية، لكن لا يتم إهمالها كليًا وإنّما يتم الاعتناء بها، ومن مرّ بها مرّ معتبرًا، مشيرًا إلى أنّ تحويلها إلى مزارات وأماكن سياحية هذا مما لا ينبغي فعله، أما فيما يخصّ الأماكن الأخرى التي هي عبارة عن آثار لأقوام سابقين ولكن لم ينزل الله بهم العذاب، فلا يرى اللويحق عارضًا من زيارتها للتأمل بها فهو مقصود شرعي، وأيضًا هي عبارة عن توثيق تاريخي للأقوام والحضارات السابقة والتي هي محل اهتمام من قبل الباحثين والخبراء في مجال التاريخ والآثار والحضارات. ويؤكدّ اللويحق أهمية أن تكون مهمة الاهتمام بالآثار السياحية الدينية مرتبطة بالجهات الشرعية حتى يتم ضبط المخالفات والممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض العوام، بالإضافة إلى قيام الهيئة العامة للسياحة بدورها الاعتيادي في هذا المجال، مشددًا في الوقت نفسه على ضرورة تقديم دراسات شرعية من منظور شرعي جديد تراعي الأحداث والمستجدات الحالية، وهذا يأتي عن طريق استعانة هيئة السياحة بالمملكة بالباحثين الشرعيين لأنّ بعض القضايا المستجدة في هذا العصر تحتاج إلى اجتهاد الشرعيين، مهيبًا بعدم التحرك من الجهات المعنية في أي مشاريع سياحية من دون البت فيها من نظرة شرعية. مجال خصب ويفترض رئيس قسم الآثار بجامعة الملك سعود ورئيس جمعية الآثار والتاريخ بالسعودية الدكتور عبدالعزيز الغزي، أنّ تكون الأماكن الأثرية هي أماكن سياحية بالدرجة الأولى تتوفر فيها المرافق والخدمات العامة مثل: الفنادق والشقق السكنية، والمطاعم، بحيث من يقصدها يجد ما يتلاءم مع احتياجاته ومتطلباته، مهيبًا في الوقت نفسه بأهمية تطوير المواقع الأثرية والتاريخية لتكون أماكن يقصدها السائحون، فكل شيء قديم هو مجال خصب لفضول الإنسان سواء كانت على مستوى الباحثين الذين يرغبون بإعداد البحوث والدراسات حول الأمم السابقة أو على مستوى الأشخاص العاديين، الذي يحبذون مشاهدة الأطلال والأماكن التاريخية القديمة. ويؤكدّ الغزي أنّ زيارة الأماكن التاريخية مسألة فيها آراء متعددة، ومن يذهبون بتحريمها لم يقولوا بذلك إلاّ ضمن ضوابط متعلقة بهدف الزيارة، فإذا كان هدف الزيارة للمتعة أو للترفيه فإنّه لا يوجد حرج في ذلك، موضحًا أنّ ضعف الوازع الديني والممارسات الخاطئة لدى البعض يجعل بعض الشرعيين يقول بتحريم زيارة الأماكن الأثرية التاريخية وذلك من باب سد الذرائع، منوهًا إلى ضرورة وجود تخطيط وبرمجة صحيحة للرحلات إلى الأماكن الأثرية من قبل المكاتب السياحية حتى لا يؤدي ذلك إلى وجود ممارسات عملية خاطئة أثناء الزيارات. البرامج السياحية ويؤيد الخبير الاقتصادي والعضو السابق بمجلس الشورى الدكتور عبدالله صادق دحلان برامج التنشيط السياحي التي تستهدف زيارة الآثار الإسلامية والتاريخية، منوهًا إلى أنّ تفعيل السياحة التاريخية في المنطقة من شأنه أن يستقطب ملايين السياح والزوار حول العالم كل عام، سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم، مشيرًا إلى أنّ منطقة الأخدود التي ذكرت بالقرآن في مدينة نجران تعدّ من المناطق الأثرية المهمة بالمملكة والتي من الممكن أن تستثمر في تعريف السائحين الأجانب لتوضيح وكشف حقيقية اليهود وكيفية قيامهم بحرق وقتل المسيحيين في تلك المنطقة ودفنهم بها، وكذلك مدائن صالح، والعديد من المناطق التاريخية الأثرية الإسلامية التي من الممكن أن تستثمر في مكة والمدينة. ويشير إلى وجود تعدد في الآراء حول مسألة زيارة الآثار التاريخية، حتى وإن اختلفت الآراء بينه وبين الذين يعتبرون أنّ مثل هذه الزيارات يمكن أن تؤدي إلى التبرك أو التمسح بها من قبل البعض، فهذا يعد من المبالغة في الرأي على حد قول دحلان، منوهًا إلى أهمية العناية بالآثار القديمة لأنّها تعدّ تأريخًا للماضي وتعرض تاريخ الأقوام الماضية، حيث تتم دراستها من قبل الكليات والأقسام الموجودة في الجامعات للتعرف على التاريخ القديم، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّه مع إعادة ترميم الآثار الإسلامية أو التاريخية وتحديدًا منطقة الأخدود ومدائن صالح، فالسعودية مليئة بالآثار وإذا ما فتح المجال أمام السائحين في العالم لزيارتها فإنّها ستكون من أوائل الدول في المجال السياحي. وينادي دحلان بضرورة، إنشاء وزارة خاصة تعنى بالسياحة وتحويل الهيئة العامة للسياحة إلى وزارة من أجل تكثيف الجهود في المجال السياحي بالمملكة، وتفعيل السياحة الأثرية والدينية، وحينها سنضمن على حد تعبير دحلان 50 مليون سائح سنويًا من الخارج، ملمحًا إلى عدم وجود نص من القرآن الكريم والسنة النبوية يؤكدّ حرمة زيارة الأماكن التاريخية، حيث إنّ الاجتهادات التي تنادي بمنع زيارة هذه الأماكن تدخل في باب سد الذرائع، وكذلك فإنّ هناك بعض الصحابة مروا على المناطق التاريخية للأقوام السابقة ولم ينكر عليهم أحد ذلك، مشيرًا إلى أنّ هناك مصلحة عليا للبلاد من أجل تحسين وضعها الاقتصادي، وذلك عن طريق العمل على التطوير والتشجيع السياحي في المملكة، موجهًا رسالته إلى من يعارضون ويحرمون زيارة الأماكن الأثرية مثل: مدائن صالح أو الأخدود قائلًا: «أقول إلى كل من يعارض، أنّ جميع الطلبة في المدارس والجامعات لديهم حاجة ملحة إلى الاطلاع على تاريخ الأقوام السابقة مثل: مدائن صالح، والأخدود، ومثل هذا الأمر لا أعتقد أنّ فيه حرمة أو حرجًا». التوعية والتثقيف وعلى الصعيد نفسه، يرى مدير مركز بحوث إدارة الأعمال بجامعة الملك سعود والخبير الاقتصادي الدكتور أحمد المحيميد، أنّ الرعاية في المجال السياحي بالمملكة ضعيفة جدًا، نظرًا لعدم وجود برامج تثقيفية وتوعية تعنى بتعريف الجمهور بقيمة تلك الأماكن التاريخية وما هي الأحداث التاريخية المرتبطة بها على مر العصور، منتقدًا في الوقت نفسه عدم معرفة المعتمرين والحجاج الذين يأتون إلى المملكة عن تلك المناطق الأثرية الموجود مثلًا في منطقة مدائن صالح أو الأخدود، فهم بحاجة إلى توعية وتعريف حول هذه المناطق والأحداث التي مرت بها، مشددًا على أهمية إيجاد دراسات علمية تمثل الجانب الاقتصادي والشرعي من قبل القائمين على القطاع السياحي بالمملكة لإيجاد رؤية توافقية تؤدي إلى الارتقاء بهذا الجانب في المملكة وتدفع وتنمي عجلة السياحة الداخلية. تركيز الهيئة وأوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود الدكتور زايد الحصان أنّ الهيئة العامة للسياحة والآثار تحاول أن تركز على قطاع الحج والعمرة بالدرجة الأولى، وهذا خلل في الاستراتيجية العامة للهيئة، موضحًا أنّ هناك العديد من الأسباب تمنع وتعوق التقدم السياحي ومن ضمنها البعد الديني والشرعي الذي يتحفظ فيها بعض الشرعيين على زيارة بعض الأماكن التاريخية، مؤكدًا إقراره بالنصوص الشرعية التي أشارت وحرمت زيارة بعض الأماكن الأثرية التي حل بقومها العذاب. وأقر بوجود الخطط العامة لتطوير القطاع السياحي بالمملكة، ولكنّها خطط موجهة لفئات معينة مثل: تشجيع الرحلات السياحية للسائحين الأجانب، فهناك على حد قول الحصان رحلات يتم تنظيمها من قبل مجموعات وأفواج سياحية من جميع الجنسيات المختلفة تقصد منطقة الأخدود بمدينة نجران ومدائن صالح بمدينة العلا، لكن لا يلاحظ هناك استهداف لسياح الداخل لتلك المناطق، فالمواطن السعودي يرى أنّ هناك محاذير شرعية مترتبة على زيارة مثل هذه الأماكن، مقدرًا في الوقت نفسه وجهة نظر العلماء والفقهاء الذين يرون عدم زيارة هذه الأماكن الأثرية، نظرًا لوجود نص شرعي قد نص على حرمة المكوث فيها أو زيارتها. وبحسب الحصان فإنّه يؤكدّ وجود اتفاق بين هيئة كبار العلماء من جانب وبين الهيئة العامة للسياحة والآثار من جانب آخر لأجل تنظيم رحلات سياحية للسائحين الأجانب، مهيبًا في الوقت نفسه بضرورة التركيز من قبل الهيئة العامة على تطوير السياحة الداخلية، فهي تحتاج إلى جهود جبارة، ومتسائلًا بالقول: «أكثر من 11 عامًا على تأسيس الهيئة العامة للسياحة، لم نر لها جهودًا كبيرة في تطوير الشواطئ الصالحة للسياحة، ولا وجود للمرافق العامة والفنادق حول الأماكن السياحية والأثرية، فنحن بحاجة للتركيز على السياحة الداخلية لاستقطاب المواطن السعودي قبل السائح الأجنبي». الأماكن مفتوحة وفي سياق متصل يعتبر مدير عام الإعلام والعلاقات العامة في الهيئة العامة للسياحة والآثار الأستاذ ماجد الشدي، أنّ مسألة التنشيط السياحي للأماكن التاريخية بالمملكة مفعلة، مشيرًا إلى أنّ تلك الأماكن مفتوحة أمام الراغبين في زيارتها ضمن ضوابط معينة، إذ إنّ منطقة مدائن صالح والأخدود تنفذ فيهما حاليًا مشاريع كبيرة، وبهما حركة كبيرة، مشيرًا إلى أنّ عدد زوار منطقة الأخدود بلغ نحو 36 ألف زائر خلال هذا العام، وهذه كلها شواهد تدل على وجود إقبال كبير من قبل السائحين على مثل هذه المناطق، حيث إنّ لدى الهيئة بحسب الشدي توافقًا وتعاونًا مع الجهات الرسمية والأخرى من أجل العمل على تشجيع الزيارة للأماكن التاريخية. ويشير الشدي إلى قيام الهيئة بإطلاق حملة تحمل شعار «صيف السعودية أمتع مما تتوقع» وتهدف إلى دعم وإبراز التنوع الذي تتميز به السعودية كبلد متنوع بمقوماته السياحية وإبراز المناطق كوجهات سياحية من ضمنها التعريف بالأماكن والآثار التاريخية وذلك من خلال تسليط الضوء على ما تتميز به من مقومات جذب، وممارسات سياحية لكل منطقة خلال إجازة الصيف، مشددًا في نفس الإطار على أنّ الهيئة لا تريد أن تقتصر في حملاتها الترويجية على الأماكن التاريخية والأثرية، حيث توجد أماكن أخرى حول الأماكن الأثرية والتاريخية تتمتع بمرافق سياحية مميزة يمكن للسائح أن يتوجه إليها وأن يستفيد من خدماتها. ويبيّن الشدي أنّ الهيئة العامة تسعى إلى التركيز بالدرجة الأولى على السائح المحلي لوجود طلب محلي كبير على السياحة الداخلية، فلا تزال هناك حاجة ماسة للتركيز على تطوير وتنمية القطاعات السياحية الداخلية وذلك لاستقطاب السائح المحلي. توجه الدولة ويرى الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة أم القرى الدكتور عبد الباسط جابر مدخلي، بأنّه لا بأس من زيارة بعض الأماكن الأثرية مثل مدائن صالح ليأخذ الإنسان العبرة والعظة مما حصل لهؤلاء الأقوام بسبب عصيانهم وكفرهم بالله أما إذا كانت الزيارة لمجرد رؤية الآثار وتمضية وقت الفراغ فلا يراها محمودة، وذلك تطبيقًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما- قال:لما مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي»، ولقوله: «لقوله -صلى الله عليه وسلم- لما مر على مدائن صالح قال لأصحابه: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين؛ لئلا يصيبكم ما أصابهم»، منوهًا إلى أنّ هذا فيه أمر صريح منه عليه الصلاة والسلام بعدم الدخول إلى هذه المنطقة إلاّ بحال البكاء على ما أصابهم وخوفًا من عقاب الله. أما بخصوص توجّه الدولة إلى تطوير وتنمية السياحة الداخلية وخصوصًا التاريخية منها فيشير مدخلي قائلًا: «الدولة حفظها الله دستورها الكتاب والسنة وما هو موجود في هذين المصدرين فلا شك أنّ الدولة ستطبقه وتأخذ به وأرى أن يكون الفصل في ذلك لهيئة كبار العلماء فهم أعلم بهذا الأمر وأجدر بالإجابة على مثل هذه التساؤلات». بقاء أثرها وفي سياق متصل يرى الباحث والمختص بالشؤون الشرعية الشيخ خضر بن سند، أنّ المنطقة الأثرية التاريخية إذا ما جاء فيها نص شرعي يشير إلى النهي عن زيارتها أو التوجه إليها فإنّ زيارتها بطبيعة الحال تكون محرمة، فالأصل في زيارة الأماكن الأثرية أنّها جائزة، موضحًا أنّ قاعدة سدّ الذرائع ليست ملزمة للجميع فهي أخذت أكبر من حجمها، والأرض لله يورثها لعباده من يشاء، حيث إنّ الأصل في الأماكن التاريخية أن تبقى مفتوحة ما لم يثبت فيها نص شرعي يشير إلى تحريم زيارتها، مشيرًا إلى أنّ الإنسان في هذه الحالة يبقى عند طرفي نقيض، طرف غالى وتطرّف في الحكم على هذا الأمر وبالغ في تفسير النصوص الشرعية وحملها ما لا تحتمل، وطرف آخر تساهل كثيرًا في المسألة وأعمل العقل وهجر النص الشرعي، وكلاهما ليس على صواب. ويؤكدّ أنّ هناك العديد من الأماكن التي أنزل الله على أقوامها العذب، لكنّها بقيت مفتوحة ليتفكّر الناس ويتعظوا بها، مشددًا على أهمية الرجوع إلى المجامع الفقهية واللجان الدائمة للإفتاء من أجل البت في مثل هذه المسائل، وكذلك لا بدّ من ضرورة قيام الباحثين الشرعيين والمختصين بالقضايا الشرعية بضبط مصطلح فقه السياحة، لأنّها تأتي بمعانٍ عديدة، حيث تأتي بمعنى الجهاد، وبمعنى السير بالأرض، وبمعانٍ أخرى، حتى لا يحدث في فهمه إشكال بين الناس، ملمحًا بأنّ هناك الكثير من السياح المسلمين الذين يسافرون إلى الخارج يحدث لديهم ما يعرف ب «الصدمة الحضارية» وانبهار شديد بالطرف الآخر، وذلك نتيجة لما شاهده من تقدم لدى الطرف الآخر، فيؤدي ذلك إلى الذوبان الثقافي ومحاولة نسيان الثقافة التي نشأ عليها. ويناشد بن سند الهيئة العامة للسياحة بضرورة الاهتمام بالسياحة الداخلية قبل أن تنظر لاستقطاب السائح الخارجي، فلا بدّ على حد قوله أن ننظر للسائح الداخلي وما هو السبب الذي أدى إلى هروب مئات الآلاف إلى الخارج ليقضوا إجازاتهم، فهذه النقطة هي التي يجب أن يفتح عليها النقاش وتكون محل إثارة من قبل وسائل الإعلام المحلية، مهيبًا في الوقت نفسه بأهمية أن توجد الهيئة العامة للسياحة حلًا لمثل هذه المشكلة وتوقف نزيف المليارات التي تهرب سنويًا إلى الخارج. صيام: سبب عدم التنشيط السياحي بعيد كل البعد عن النظرة الشرعية أو الدينية ويعتقد مدير البرامج في الهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة عسير الأستاذ علي أحمد صيام، أنّ سبب عدم التنشيط السياحي للآثار القديمة الموجودة في المملكة بعيد كل البعد عن النظرة الشرعية أو الدينية، وأنّ الأمر يعود إلى عدم توفير الخدمات العامة في تلك المناطق، مشيرًا إلى أنّ منطقة الأخدود بنجران تعاني من شح هذه الخدمات، ومن النادر أن يجد السائح فنادق أو استراحات، ومرافق عامة، وحتى الأماكن الترفيهية فإنّها تفتقد إلى تلك الخدمات، مؤكدًا في الوقت نفسه أنّ معرفة ووعي المجتمع بالثقافة التاريخية يكاد يكون معدومًا بأهمية هذه الأماكن وحقيقة الأقوام الذين كانوا يقطنونها، إضافة إلى وجود نقص كبير في المجال التسويقي للأماكن الأثرية، من منشورات ومطبوعات وكتيبات، وإن وجدت فإنّك تجد بحسب صيام خللًا في عملية التوزيع والجمهور المستهدف لها. ويرى صيام أنّ الهيئة العامة للسياحة والآثار مازالت في بداياتها، حيث إنّ كثيرًا من الأمور في المستقبل القريب والبعيد سوف تتغير، مهيبًا بالجهات الأخرى كالغرف التجارية، وأمانات المناطق، والمكاتب السياحية والمستثمرين في المجال السياحي ضرورة التعاون لتشجيع السياحة الداخلية بالمملكة من خلال إعادة تهيئة الخطط والرؤى لتطوير القطاع السياحي. الكريم: مدائن صالح هي المنطقة الوحيدة التي ورد فيها نص بالنهي عن دخولها من جانبه يقسّم الدكتور صالح الكريم رئيس تحرير مجلة الإعجاز العلمي، زيارة الأماكن التاريخية الأثرية إلى نوعين الأولى: الأماكن التاريخية التي أنزل الله على أقوامها العذاب، والثانية: الأماكن التاريخية التي ليس لها علاقة بهذا الأمر وهذه بلا شك لا يرتبط أي محظور لزيارتها، موضحًا أنّ النوع الأول من هذه الأماكن والتي أنزل الله على قومها العذاب تكون مفتوحة لغير المسلمين من أجل زيارتها، أما فيما يخص المسلمين فإنّهم يجوز أن يدخلوها لأخذ العبرة والعظة منها وهم متباكون لأنّ القرآن الكريم أمر بأخذ العظة والعبرة والتأمل بها للمسلمين، وعلى أثر ذلك لا يرى الكريم أية إشكالية من تحويل هذه الأماكن لمناطق سياحية، مشيرًا إلى أنّه لم ترد هناك نصوص شرعية صريحة توضح أنّ زيارة الأماكن التاريخية التي حل بقومها العذاب محرمة شرعًا سوى بعض النصوص، إذ إنّ السياحة التاريخية أمر مطلوب، فليس من المعقول أن نضيّق على الناس ونحصر الناس بنصوص غير صريحة، منبهًا في الوقت نفسه بأنّه علينا أن نأخذ الجانب الإيجابي والمشرق من زيارة الأماكن التاريخية ولا نكتفي فقط بذكر الجانب السلبي. ويرى الكريم أنّ مدائن صالح هي المنطقة الوحيدة التي ورد فيها نص بالنهي عن الدخول إليها، وأنّ من دخلها أو رحل إليها فإنّه يدخلها متباكيًا، وذلك حتى لا يصيب الناس ما أصاب الأقوام السابقة، منوهًا إلى أنّ القرآن الكريم قد حرص على توجيه المسلم للوقوف على الأقوام السابقة كما في قوله تعالى: (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، وفيه دلالة على عدم نهي القرآن على اتخاذ هذه الأماكن كسياحة تاريخية لأخذ العبرة، أما غير المسلمين فإنّه لا تمنع زيارتهم لمثل هذه الأماكن، ولا يجوز بحسب الكريم أن نفرض عليهم شيئًا نؤمن به.