ربما قادتك الصدفة ذات يوم لمشاهدة مجموعة من الباعة المتجولين عند إشارات المرور وفي طرقات جدة يرتدون قناعا أبيضا بغرض بيعه وترويجه. فقد يتبادر إلى ذهنك حينها إلى أنه يعود لشخصية كرتونية أو مهرج مسرحي، لكن الحقيقة تقول أنه يعود إلى شخصية متمردة أسطورية تاريخية أوروبية تسمى «فانديتا»، وترمز إلى دلالات سياسية ثورية تحريضية على النظام العام للمجتمع. عدم معرفة فعند إحدى إشارات المرور بوسط جدة شاهدنا أحد الباعة مرتديا ذلك القناع فيما يحمل في يده مجموعة منها لبيعها على العابرين، سألناه عن معناها، فاستغرب من السؤال، قائلا: لا. وعن كيفية حصوله عليها قال: قمت بشرائها من أحد الأصدقاء من مستودع جنوبجدة كما تباع أيضا في في محلات في البلد وأقوم بشرائها ومن ثم ببيعها من أجل التكسب فقط، ثم قال: كنت أبيع القناع الواحد بعشرة ريالات، أما اليوم بسبب كثرة الطلب عليه وقلة الأقنعة في السوق فقد ارتفع سعره إلى 20 ريالا. سألناه عن مدى ملاحقة الجهات المختصة لهم فقال: لي هنا قرابة الأسبوعين ولم أتعرض لأي ملاحقة، لكني في الوقت ذاته أحذر حينما أشاهدهم فأقوم بالهروب خوفا من مطاردتي، وعندما أخبرناه بحقيقة ذلك القناع وأنه يرمز إلى التحريض على النظام العام، تعجب وقال: أول مرة أسمع مثل هذا الكلام، فأنا أبيعه فقط من أجل الكسب الحلال وليس لي أي أهداف أخرى. التقليد الأعمى أما الشاب عبدالرحمن أحمد (25 عاما)، والذي يمتلك قناعا اشتراه من أحد الباعة المتجولين عند إشارة المرور، فقد أبدى دهشته وذهوله حينما أخبرناه بالمغزى الذي يحمله القناع، وقال: للأسف لم أكن أعلم ذلك مطلقا، حيث أنني كنت أضعه شعارا لصفحتي الرئيسة في المواقع الاجتماعية وكذلك أحتفظ به على جهازي المحمول والجوال، حيث شاهدت بعض زملائي يقتنونه فقمت بتقليدهم دون معرفة خلفياته، ولكني الآن سوف أتخلص منه. طرافة وتهريج وفيما لم يكن يصدق الشاب وليد عبدالله (19 عاما) حديثنا له عندما أخبرناه بالدلالات التي يحملها ذلك القناع، وقال بعفوية تامة: أنتم أيها الصحفيون تضخمون الموضوع وكل ما في الأمر أنني أحببت هذا القناع «اللطيف» حسب وصفه لما يحمله من طرافة وشخصية أقرب إلى التهريج والكوميديا. أصل تاريخي وتعود قصة القناع إلى فيلم الأمريكي «فانديتا» (V for Vendetta) والذي تدور أحداثه في لندن، حيث تم اقتباسه عن قصة مصورة صدرت بالاسم نفسه، تحكي قصة الفيلم عن شخص غامض مقنع يسعى إلى تغيير الواقع السياسي في الدولة وفي الوقت نفسه يسعى للثأر والانتقام، ويتخذ الفيلم من تاريخ 5نوفمبر موعداً هاماً، حيث يتم في بداية الفيلم تفجير مبنى المحكمة الجنائية المركزية في انجلترا، والمعروف باسم محكمة (اولد بيلي Old Bailey)، في إشارة إلى هدم الرقابة والسلطة، ويتم اتخاذ نفس التاريخ بعد سنة من الحدث الأول كميعاد لتفجير قصر (وستمنستر)، ويستمد الفيلم رمزية هذا التاريخ من أحداث حقيقية لمحاولة الانقلاب على الملك (جيمس الأول) بواسطة مجموعة من المتمردين أشهرهم (جاي فوكس) الذي يرتدي بطل الفيلم قناعه معظم الوقت، ومن الفيلم تمت استعارة القناع الذي ذاع صيته مؤخراً بعد أن لبسه عدد من الشباب في مصر أثناء أحداث 25 يناير 2011، مما جعل بعض دول الجوار تحذر من تداوله باعتباره رمزا يسيء للدولة ويحرّض على النظام العام للمجتمع.