بعض البرامج التلفزيونية حين تشاهدها لا تستطيع السيطرة على فكك السفلي وهو يهوي دهشة؛ ويضع ضرسًا فوق ضرس على ركبتيك، ولن يمكنك إقناع حاجبيك بالبقاء في محيط رأسك حيث تجدهما يتفلّتان من الجاذبية الأرضية برشاقة، ويصعدان فوق أم رأسك، غير آبهين بمحاولاتك إعادتهما، والمسألة قطعًا لا تتعلق فقط بمذيع مخضرم لا يزال يتلعثم؛ وإن تحايل على التأتأة بالألففة حتى ليذهب ربع وقت البرنامج في (أأأأأ، إإإإإإإ)، أو الوأوأة ليضيع ربع آخر على (وِ) المكسورة المشبعة (وي وي وي وي)! الأمر اليوم أكثر تنوعًا مع كثرة الفضائيات وكثرة المذيعين والمذيعات ومراسلي القنوات، لكن كثير من هؤلاء المذيعين اليوم أكثر ذكاء وثقة، فيأتيك المذيع (من دول) وقد قضى صباحه في صالون الحلاقة وعمل تنظيف بشرة بالبخار ثم أخذ حمامًا مغربيًا وخضع لجلسة مساج للاسترخاء لئلا تأتيه التأتأة من بين يديه ولا من خلفه، وفعلًا وقف في برنامجه المسائي لامعًا أنيقًا، وقد رمى بغترته خلف أذنه اليمنى، يبتسم لضيفه ويسأله: عادة حين تنخفض درجات الحرارة في فصل الشتاء يشعر الناس بالبرد، لا أدري ما هو شعورك أنت؟! فتشعر أنه لا ينقصه إلا أن يقول لكن الجمل يتحمل البرد الشديد، وهو حيوان أليف يسمى سفينة الصحراء.. لأنك قطعًا ستشك أن التلميذ الشهير الذي رسب في مادة التعبير -لأنه كان دومًا يشطح ويكتب عن الجمل- قد أفلح ودرس الإعلام، وها هو مذيعًا فضائيًا! أما بعض المذيعات فموالهم (غير شكل)، واستعدادات الواحدة منهن للكاميرا لا يختلف كثيرًا عن استعدادات العرائس، بلا مبالغة، ويتهيأ للمشاهد أنها تصل للاستوديو قبل البث بثلاث ساعات، ريثما تُجرِّب الجلوس يمين الكادر أو يساره أو في الواجهة، وهل الأفضل تضع رجلها اليمنى فوق اليسرى أم العكس، ثم تسأل مرآتها: يامرآتي يا مرآتي قولي لي أنا أحلى حين أضحك أم أبتسم فقط؟! وماذا لو (لخمتني) الابتسامة عن تسبيل رموشي؟! ثم يدخل الضيف فلا تتحرك، لئلا يقع منها ظفر أو رمش أو خصلة، وتبتسم بحذر مرحبة: مرحبًا دكتور، حقيقة عمليات التجميل اليوم صارت حقيقة همًا للسيدات، وصاروا الستّات حقيقة يجمّلوا كل حاجة، أظافر مستعارة، شعر مستعار، شفايف محقونة، خدود مشدودة، حواجب مرفوعة، يعني كل حاجة مصطنعة حقيقة، حتى تلاقي الزوج حقيقة يتضايق من الجمال الصناعي، وكمان حقيقة بتحصل مشاكل بسبب تكاليف العمليات الغالية حقيقة، باختصار دكتور عشان الوقت، إيش رأيك بالموضوع؟!. فينظر الدكتور لحاجبيها وأظافرها وخصلها المستعارة وخديها المشدودين وشفاهها المنفوخة حد التدلي ويبتسم ويقول: حقيقة ما قلتيه صحيح فاليوم آ... فتقاطعه: انتهى الوقت للأسف، إن شاء الله نلتقي فيك في حلقة قادمة! فلا تملك أنت إلا أن تقول: (عز الله استفدنا الكثير من برنامجك)! وفي الفضاء هذه الأيام ابتلينا بما يُسمى محلل رياضي للقناة، وهو ليس أكثر من لاعب سابق قضى العمر (يطقها ويلحقها)، أحدهم أحب الانضمام لحملة دعم المنتخب فقال: الملاحظ حقيقة أن المنتخب راح ضحية التعصب الرياضي بين الإعلاميين والنقاد، وأنا أتمنى أن يسود الحب، وأن نركن ميولنا جانبًا وندعم المنتخب، وبعد دقائق معدودة قال: قبل ثلاثين سنة؛ وأنا لا أقول إلا الصدق؛ وقف أحد المسؤولين مع اللاعب (فلان)، وسمى لاعب فريق منافس لفريقه، رغم أن (فلان) وسمى لاعبا ينتمي لفريقه هو الأفضل، وحين سئل عن المقالة التي يريد الإشارة إليها، اختار مقالًا يُمجِّد فريقًا على حساب مسؤولي فريق آخر! حين تتابع هؤلاء تشعر أن علة منتخبنا (مطولة)، فلا يزال المصابون بحمى المؤامرة يتصارعون مع أشباح الأبيض والأسود، وتترنح موضوعيتهم مختنقة بدخان الحقد، وأن الحب الذي يُريدونه أن يسود هو حبهم لأنديتهم فقط، ولو على حساب الوطن والمنتخب الوطني! [email protected]