لقد عرف أعداء الإسلام أن المسلم لا يمكن أن يتخلى عن إسلامه بالكلية ولا يقبل ذلك من في قلبه ذرة من إيمان الإسلام لا يقبل التجزئة في الاعتقاد والعمل، فليس هناك نصف مسلم ونصف كافر وليس هناك من يأخذ بركن من أركان الإسلام ويترك ركنا آخر. وليس هناك مؤمن يبني في جانب الخير ويبني في ذات الوقت في جانب الشر، وليس هناك مسلم حقيقي على وجه الأرض يدعم الباطل ويهاجم الحق، فتلك أمور لا يمكن أن تحدث البتة، ولكن هناك من يريد أن يخدع نفسه أولًا ويخدع مجتمعه ثانيًا بإمكانية حدوث مثل هذا التناقض، وهذه محاولة للخداع لا يمكن أن يستطيع أن يمررها أي مخادع إلا على أحد اثنين إما أن يكون لا يعرف قواعد ومبادئ الإسلام ومنهجه المتكامل الشامل والواضح الذي لا تعارض فيه ولا تناقض، أو أن يكون ممن يسير في ذات الاتجاه من الزيغ والضلال، فيريد أن يقوي موقفه بما يجده من أفكار ضالة ومنحرفة وما يقذف به هؤلاء من غثاء ورغاء. لقد عرف أعداء الإسلام أن المسلم لا يمكن أن يتخلى عن إسلامه بالكلية ولا يقبل ذلك من في قلبه ذرة من إيمان، وعرفوا أن الدعوات التي تثير الشبهة حول الإسلام لن يقبلها المسلم بل سيقف مدافعا عن الإسلام تجاهها وضد من يثيرها من أعداء الإسلام. فلجأوا إلى إيجاد خلخلة الدين الإسلامي من داخله، واستغلال ثلة من أبنائه للقيام بهذه المهمة بالنيابة عنهم. بعد أن يئسوا من زعزعته من الخارج. ثم اختاروا طرقا وحيلا للوصول إلى أهدافهم، فجاءوا بأفكار سقيمة وعقيمة، ومبادئ هدامة وذميمة، ظاهرها الرحمة، وباطنها الشر والإفساد، واختاروا بدقة متناهية نوع تلك المبادئ، وعزفوا على أوتارها بغية الوصول إلى إحداث فجوة في مفاهيم ابناء الإسلام لخلخة الثقة وزرع الشك في نفوسهم تجاه دينهم، وقد يكون أوضح ما جاءوا به من دعاوى باطلة، هو مسألة وضع المرأة في الإسلام وضرورة تحريرها، وكذلك وجوب اطلاق حرية الفكر والتعبير، دون قيود أو حدود، باعتبار أن الحرية معناه عدم تقييدها بأي قيد. وبكل أسف فقد تبنى بعض أبناء المسلمين هذه الأفكار وطاروا بها في الآفاق، وبذلوا كل شيء في سبيل نشر هذه الأفكار والمبادئ. فسعى جاهدا من أتيح له الظهور إعلاميا إلى تمرير هذه الأفكار الزائفة المبهرجة، والشعارات الهدامة فتلقفه بالتالي بعض ضعاف الإيمان وقاصري التفكير، الذين لم يتشربوا الإسلام ولم يعرفوا حقيقته يقينًا بأنه كل لا يتجزأ. وإنه لا يمكن أن يكون هناك ثغرة في الإسلام تحتاج إلى أن تُسد أو تستكمل. فقد قال الله عز وجل: [ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا.] إن الحقيقة التي لا مرية فيها هي أن من أراد أن يكون مسلمًا فلا بد أن يطبق الإسلام كما يجب بغض النظر عما إذا كان ذلك الأمر يتفق مع هواه أو يخالفه، وسواء يتطابق مع ما يجري في الشرق أو الغرب أو يعارضه. فالمهم هو اتباع منهج الإسلام، والسير في الطريق الشرعي عقيدة ومنهجًا بلا مواربة أو مخادعة. ولعل ما ينادي به بعض التغريبين من ضرورة التخلي عن بعض المعتقدات أو المبادئ الإسلامية التي يدعون زورا وبهتانا أنها من قبيل التشدد والغلو وأنه يمكن تجاوزها وعدم الوقوف عندها ومن ذلك مطالبتهم بالاندماج مع الآخر سلوكًا ومنهجًا، والأخذ بما لديهم من مبادئ وتوجهات دون تنقية من الشوائب التي تعارض الشرع ودون ضوابط أو حدود، وذلك بدعوى التسامح وحجة الوسطية - ومع أنها دعوى وحجة لا يتفق جوهرها مع الطريقة التي يسيرون عليها -فإنهم مع ذلك لا يجدون في الحقيقة والواقع احترامًا من الآخرين لأن أولئك يدركون أن من ينبذ ماضيه ويترك عقيدته الصحيحة ومنهجه الواضح ويسعى إلى الدخول في منهج الآخر ويتذبذب في فكره بين هؤلاء وهؤلاء، فإنه لا يستحق الاحترام، مع أن الشرع والواقع لا يرفضان التعامل مع الآخر، ولكن الأمر يقتضي أن يكون التعامل مع غير المسلمين متسمًا بسمات المنهج الإسلامي، ويتدثر بدثار الدين، فيجب التمسك بمنهج الإسلام وان يكون التعامل ينطلق من ثقة بالنفس ومبنيا على اسس صحيحة حتى يمكن إعطاء الآخر صورة ناصعة وواضحة عن الإسلام والمسلمين، مما يثمر عنه احترام الآخرين، متى كان التعامل معهم من منطلق العقيدة وعلى ضوء التعاليم الإسلامية وفي حدود الضوابط الشرعية التي تحكم مثل هذا التعامل والاندماج. فالمسلمون الأوائل لنا في تعاملهم قدوة ولنا في منهجهم أسوة، فلم يرفضوا التعامل مع غير المسلمين رفضا مطلقا، ولم يقبلوه بدون شرط، فالإسلام يأمر بحسن المعاملة مع كل مخلوق، حتى البهائم فما بالك بالإنسان، ولكن هذا التعامل يكون على هدى من الإسلام الذي يجعل القرابة في الدين والعقيدة أقوى من رابطة الدم والنسب، فالإسلام لا يعترف بالعدوانية والكراهية المطلقة فلا يعادي إلا بسبب ولا يحب إلا بمبرر فلا بد أن تكون محكومة بضوابط شرعية، ومبنية على أسباب سائغة تنهض مبررا للتعامل على ضوئها. وعلى أولئك الذين ينادون بالتقرب من الغرب أو الشرق بدعوى التسامح والوسطية أن يجعلوا النصوص الشرعية هي الحاكمة والمنظمة لهذا الاندماج والتعامل، فما يكون جائزًا شرعا اتبعوه وساروا عليه، وما يكون غير جائز اجتنبوه وحادوا عنه. والإسلام لا يمنع من التعامل مع أصحاب الديانات والملل والنحل الأخرى من يهود ونصارى وغيرهم، فالنصوص الشرعية تستوعب وتحكم كل التعاملات ولا تمنع إلا في حالات محددة وردت بها النصوص الشرعية، فالعبرة إذًا بالنص الشرعي، ولا عبرة بما سواه في كل أفعالنا واقوالنا وتصرفاتنا. اللهم اعز الإسلام والمسلمين وانصرهم فوق كل ارض وتحت كل سماء . ص.ب 11174جدة 21453 فاكس: 6534238 [email protected]