في كل عام تعلن دولتنا -كغيرها من الدول- ميزانيتها التي تحمل في طياتها المزيد من البشائر من مشروعات تنموية وحضارية لهذه البلاد، التي أولاها قادتها جل عنايتهم وفائق اهتمامهم، كما تتضمن ميزانيات الإنفاق الحكومي للوزارات والجامعات وما في حكمهم من الإدارات ذات الميزانيات المستقلة، فهي من الناحية الاقتصادية معيار يُقاس به النمو. وفي زمن قريب وقبل إعلان أي ميزانية بأيام، كانت تظهر بعض الشائعات وأحاديث المجالس تنبئ عن تطلعات وطموحات لأبناء الوطن ثقةً في القيادة الرشيدة التي جعلت المواطن همّها الأول، واستشرافا لمزيد من العطاء، وتمثل في واقعها آمالا يرجوها المواطن. أما في العصر الحديث ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت فقد زادت مساحة التعبير وأصبح الجميع يكتب ما يتطلع إليه وبكل شفافية ووضوح. والمتأمل فيما يُكتب والناظر لما يُطرح يجد أن البعض يُعبّر في كثير من الأحيان عن حاجات ملحّة حان -في تصوري- تحقيقها، وبخاصة أن الميزانية لهذا العام هي الأضخم تاريخيًا، كما أُعلِنَ مِن قِبَل بعض المحللين الاقتصاديين. وإذا ما استعرضنا سريعا بعضا من تلك الأطروحات فإننا سنُجمع على ضرورتها وأنها انتقلت من مرحلة الترف والزيادة إلى الحاجة والضرورة؛ فهي تأتي نتيجة ما يعايشه المواطن وبالتالي أصبحت لديه الرغبة القصوى لتحقيقها؛ طمعا في أن تريح كاهله من جهة وتقضي على بعض معاناته من جهة أخرى. فبعد التطلع لزيادة الرواتب لجميع الشرائح لمواكبة الارتفاعات التي لا زالت تتوالي حتى عمّت تقريبا معظم ما حولنا، تأتي التطلعات إلى بدل السكن الذي بات في منتهى الأهمية لنسبة ربما تتجاوز السبعين في المئة من الموظفين، ومن هنا نشأت في بعض المدن ما يشبه «أزمة سكن»، ناهيك عن ارتفاع إيجارات المنازل ذاتها والتي باتت تستحوذ على جزء كبير من الراتب، والأمل أن تقضي هذه الميزانية على هذا الشأن بإيجاد بدل سكن لموظفي الدولة عموما؛ فمشروعات الإسكان التي تنفذها وزارة الإسكان يبدو أنها تسير ببطءٍ شديد، ولا مُبشِّرات بحسب ما نُشر مُؤخَّرا! وتأتي في المرتبة التالية مسألة التأمين الطبي؛ فمن نافلة القول أن المستشفيات الحكومية لم تعد قادرة على استيعاب المرضى فضلا عن علاجهم العلاج الأمثل وتقديم الخدمة الصحية المطلوبة من تنويم وخلافه، والتأمين الطبي ربما يمثل حلا ناجعا حتى يتم الانتهاء من مشروع الحزام الطبي الذي يفترض أن يتم من خلاله إنشاء 19 مستشفى تخصصيا في شتى مناطق المملكة، ولا أعلم لماذا تأخر هذا المشروع مع أهميته القصوى؟! أما الأمر ما قبل الأخير -الذي يطمح إليه المواطن- والمُتدَاول فهو الراتب الإضافي في شهر رمضان، أسوة ببعض الجهات؛ فمن المعلوم أن الأُسر في رمضان تتطلب مصروفات إضافية، والموظفون يعانون وبخاصة موظفو المراتب الدنيا؛ فإنهم يجدون أنفسهم أمام معضلة مادية كبيرة؛ فلا يستطيعون توفير الكساء المناسب لأبنائهم فضلا عن تجديد بعض مقتنيات منازلهم، ويأتي بعدها مباشرة موسم بداية العام الدراسي، فماذا يفعلون؟! وأخيرًا.. يتمنى الإخوة المتقاعدون زيادة الحد الأدنى للراتب التقاعدي، ليصل إلى أربعة آلاف ريال؛ بدلًا من القائم حاليًا وهو ثلاثة آلاف، ونأمل أن تنظر الميزانية الجديدة بعينٍ حانية لهذه الشريحة التي خدمت وأفنت عمرها في الخدمة، لتقابلها بالوفاء، وترفع السقف الأدنى لهم. فهل تحقق ميزانيتنا «طموحاتنا وتطلعاتنا»..؟! [email protected]