يهرب البعض من ماضيه ويرمي بكل الأيام ،بكل الذكريات ،بكل الحكايات ،بكل المتاعب ،بكل الأخطاء ،بكل الأصدقاء ،بكل الأشياء ليبدو في الصورة الجديدة إنساناً يحمل ملامح الحاضر بكل تفاصيله بل ويتجاوز الصدق الى الكذب معتقداً أن ذاكرة الماضي معطوبة بمعنى أنها غير قادرة على أن تحدث الناس عنه وكل ما يخفيه ،والحقيقة إن للماضي نكهة أخرى كما لصمت العشق نكهة ولصمت التحدي نكهة ،وصمت الألم نكهة ،وصمت الحرمان نكهة ولأن للماضي صفات في قامة الأسوياء ، الماضي الذي أحببت فيه الشقاء أكثر والعذاب أكثر والبكاء أكثر لأنه يردني للطفولة يوم كانت القرية لاشيء فيها سوى البساطة وكانت( الصحَّارة ) هي الثلاجة التي تحفظ الطعام وتتلفه ,ومن يتصور أن يكون الفطور هو من باقي أرز الغداء أو العشاء الذي كانت تميزه عفونته وتكسبه طعماً آخر كنت ألتهمه وإخوتي دون أن نشعر انه طعام فاسد ربما اليوم يصيب من يتناوله بالتسمم ، لماذا لم نصب نحن؟! لست أدري ! ربما لأن بطوننا اكتسبت مناعة مكّنتها من التصدي للجراثيم القادمة لتموت عند أول بوابة للجسد وتنتهي حكايتها ....،، حين أتحدث مع بناتي وأبنائي عن حكايات الماضي ،عن العيد الذي يحضر قبل حضور الحذاء ،عن الصيف ،عن الشتاء ،عن الملابس ،عن الطين ،عن أكمام الثياب ،عن المدرسة ،عن المصروف ،عن الحب ،عن الجنون ،عن شقاوتي المؤذية والتي تجاوزت البشر لتصل للقطط والحمير والطيور ولكل نوع منها حكاية عقاب ،والمضحك انه كان لي قطيع من القطط ميّزته بقطع جزء كبير من الأذنين ،أما الحمير فلي في ترويضها أساليب منها استخدام (الطراطيع) والتي غالبا ما تترك أثراً يحول الحمار الى كائن مختلف هو أقرب للجنون من الرشد، ليأتي بعدها كائنا لا يعصى الأوامر أيا كانت ،أما الطيور التي كانت تدخل في الشرك بالغصب فكان عقابها عندي هو نتف ريشها كله وإبقاء الجناحين والذيل لتتمكن من الطيران بهدف أن تعيش العذاب ،ريثما ينبت الريش لتأتي بعد ذلك كائنات مؤدبة تكره الدخول للشرك ، هكذا كان بعض أمسي الذي حملني لليوم هذا وما أظن أمي يحفظها الله توقعت لي الحياة وكل ذلك بسبب فضولي وشقاوتي وكانت مفاجأتها في القرية كبيرة حين امتهنتُ الكتابة التي منحتْ أمي حق التباهي بي أمام اللاتي كن يراهنّ على ألا أتقدم !! حفظ الله أمي ورحم الله أبي وأدام على إخوتي وأخواتي الفرح والسعادة ولأن للماضي في جسدي روائح عنبر حدثت كل من أحب عنه رغم أنف قسوته التي كانت تدفعني للعب حافي القدمين عاري الصدر ويسترني سروال حوله الطين من لونه ليقترب من لون جلدي ولو كنت أعرف ان ملابسي تلك سوف تغادرني للأبد لحملتها معي وعلقتها في ناصية الحاضر ليرى أبنائي وبناتي تفاصيل حياة والدهم منذ جاء من فرسان شاباً في يده لاشيء سوى أنفه ويديه ولهجته المبللة !!! ..،، (خاتمة الهمزة) ... شكراً للماضي وشكراً للعدم وشكراً للتعب وشكرا للأسى وشكراً للمعاناة وشكراً للحرمان وشكراً للتعاسة وشكراً لأبي وأمي وزوجتي وكل من ساهم معي لأكون اليوم بينكم وهي خاتمتي ودمتم [email protected]