عندما تحلق على طول البحر الأبيض المتوسط اليوم، ماذا ترى؟. في الأعلي إلى الشمال تنظر في نظام الدول الأوروبية -فوق الوطنية-الاتحاد الأوروبي- الذي يشهد نذر تصدع. وإلى الجنوب إذا نظرتم إلى الأسفل ستجدون نظام الدولة العربية يشهد شرخًا أيضًا. إنه مزيج مخيف، وهذا كله يشكّل أسبابًا إضافية للولايات المتحدة لتنظيم بيتها الاقتصادي كي تكون صخرة من الاستقرار العالمي، لأنني أخشى أن الوضع على الجانب العربي من البحر الأبيض المتوسط على وشك أن تزداد سوءًا. فمصر مرساة العالم العربي كله، وجدت نفسها تنحدر على نحو خطير نحو عنف واقتتال لفترة طويلة، ما لم يتم التمكن من العثور على تسوية مؤقتة بين الرئيس محمد مرسي والإخوان مسلمين من جهة والمعارضة المتنامية من الجانب الآخر. وإذا تم الكشف عن مثل هذه الاضطرابات في كل من سوريا ومصر في وقت واحد، فستتم زعزعة الاستقرار في كل المنطقة. وربما لهذا السبب عبرت لوحة على الطريق إلى الأهرامات بطريقة مختصرة عن ذلك فقالت كل شيء إذ كتب فيها «حفظ الله مصر». وبما أنني شاهدت مراسلة صحفية مصرية شابة محجبة تشكو بدموعها إلى مسؤول من الإخوان المسلمين في ذلك اليوم عن السلوك الاستبدادي والتعسفي للجماعة، فإنه يمكنني أن أؤكد لكم أن المعركة هنا ليست بين المصريين الأكثر تدينًا والأقل تدينًا. فالذي أدى إلى خروج مئات الآلاف من المصريين إلى الشوارع مرة أخرى، وكثير منهم خرج لأول مرة متظاهرين، هو الخوف من أن يعود الاستبداد إلى مصر تحت ستار الإسلام. المعركة الحقيقية هنا هي حول الحرية، وليس الدين. لقد قام الرئيس مرسي بإصدار إعلان دستوري من جانب واحد «وحصنه من الرقابة القضائية» ثم ألغى معظم مواد ذلك الإعلان بعد احتجاجات ضخمة، وبعد ذلك تعجل لإكمال الدستور الجديد الذي به نواقص كبيرة للغاية وطلب التصويت عليه في استفتاء وطني يبدأ اليوم السبت، دون مناقشة عامة كافية، كل ذلك أدى إلى مخاوف من أن المصريين قد استبدلوا أحد أنظمة الاستبداد، بقيادة حسني مبارك، بآخر، بقيادة «الإخوان» لقد كان مرسي وغيره من قادة الإخوان المسلمين القادمين المتأخرين إلى ثورة 2011 بميدان التحرير التي أنهت ستة عقود من الحكم العسكري وبسبب تركيزهم فقط على»استغلالها» سعيًا وراء أهدافهم»الخاصة» فقد استهانوا «بشكل صارخ» بالتوق والحنين العميق للحرية بقيادة في معظمها من الشباب من أجل تحقيق إمكاناتهم وقدراتهم الكاملة التي اندلعت في التحرير، وهذا الأمل لم يتلاشَ. كنت أقول كلما سألني أحد عما رأيته في ميدان التحرير خلال الثورة الأصلية، رأيت نمرًا كان يعيش في قفص بأبعاد خمسة في ثمانية لمدة 60 عامًا وتم الإفراج عنه. وهناك ثلاثة أشياء أستطيع أن أحكيها لكم عن النمر 1) النمر لن يعود أبدا إلى الوراء إلى ذلك القفص 2) لا تحاول ركوب النمر لأغراضك الخاصة أو الحزبية الضيقة لأن هذا النمر لا يخدم سوى مصر ككل، 3 ) النمر يأكل لحوم البقر فقط. وقد أطعم بطعام كلاب من الأكاذيب باللغة العربية لمدة 60 سنة، لذا لا تحاولوا فعل ذلك مرة أخرى. في البداية قام الجيش المصري بالتقليل من شأن النمر، وحاول إعادته مرة أخرى إلى القفص. والآن يقوم الإخوان المسلمون بالتقليل من شان النمر أيضًا. أحمد حسن (26 عامًا) هو أحد ثوار ثورة التحرير الأصليين. وقد انحدر من حي شبرا الخيمة الفقير، حيث تبيع والدته الخضروات. واعتقد أنه تحدث بلسان الكثيرين من أبناء جيله عندما قال لي: «كان لدينا اعتقاد بأن محمد مرسي سيكون هو الشخص الذي من شأنه أن يحقق أحلامنا وقيادة مصرعلى الوجهة الصحيحة التي تريدها. المشكلة [الآن] ليست فقط في أنه قد تخلى عن حلمنا، بل هو وقف ضد هذا الحلم. لقد أخذوا عنا حلمنا وزرعوا الحلم الخاص بهم. أنا مسلم، ولكن أفكر بعقلي الخاص بي. ولكن الإخوان المسلمين يتبعون أوامر «مرشدهم الأعلى». يستطرد أحمد حسن فيقول: «أنا نصف دواخلي في حالة حزن، ونصفي الآخر سعيد اليوم. الجزء الحزين هو أنني أدرك أننا سندخل مرحلة يمكن أن تكون فيها حمامات دم حقيقية. أما الجزء السعيد لأن الناس الذين كانوا لامبالين تماما قد استيقظوا الآن وانضموا إلينا). إذن ما هو الخطأ؟ هل هو في مشروع دستور الرئيس مرسي الجديد؟ على السطح لا يبدو هذا الدستور» وثيقة طالبانية». فبينما يسيطر»الإسلاميون»على كتابة هذه الوثيقة كان للفقهاء الدستوريين مساهماتهم في صياغته. وعن هذا تقول المحامية والخبيرة الدستورية منى ذوالفقار: «للأسف في حين أنه يقر بمعظم الحقوق الأساسية، فإن الدستور يقول أيضًا أنه يجب أن تكون هذه الحقوق متوازنة بقيم دينية واجتماعية وأخلاقية فضفاضة، والبعض منها سيتم تحديده من قبل السلطات الدينية، هذه اللغة تفتح ثغرات»، وتضيف: «ستقود إلى تمكين القضاة المحافظين لتقييد حقوق المرأة، وكافة الحريات وحقوق الطفل، وعلى نحو خاص الفتيات اليافعات». أو كما أوضح دان برومبرغ، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد الولاياتالمتحدة للسلام، يمكن لمسودة الدستور أن تضمن لك حرية التعبير، ولكن ليس حرية ما بعد التعبير. إن المظاهرات الطليقة في الشوارع هنا -التي مع والتي ضد الدستور- تقول لي شيئًا واحدًا: «إذا تم التشويش عليها بواسطة الرئيس مرسي، فسيتم بناء الديمقراطية الجديدة في مصر على خط به (صدع عميق)». ولن تكون مستقرة. مصر دولة عمرها آلاف السنين . ويمكنها أن تستغرق ستة أشهر أخرى للحصول على دستورها الجديد بطريقة صحيحة. وسيتم حفظ مصر فقط إذ كانت المعارضة ستحترم أن الإخوان المسلمين فازوا في الانتخابات بطريقة نزيهة وإذا كانت المعارضة ستقاوم تجاوزاتها فلا تسعى للمقاطعة أو الحلم بانقلاب عسكري وتتجه لطرح أفضل الأفكار كي تجذب الشعب إلى جانبها سيتم حفظ مصر فقط إذا احترم الرئيس مرسي فكرة أن الانتخابات لا تقوم على مبدأ أن المنتصر يأخذ ويستأثر بكل شيء خصوصًا في مجتمع لا زال يعمل على تحديد هويته. وإذا أدرك الرئيس هذا فليته يكف عن»الاستيلاء» على السلطة بل يبدأ في كسبها بالتوافق والتراضي فيما عدا ذلك سيكون سقوط للجميع من كل ناحية.