شهد السوق المتنقل للجراد برابغ إقبالا كبيرًا خلال الأسابيع الماضية بدرجة رفعت أسعاره بشكل غير مسبوق حيث ارتفع سعر الكيس الكبير «الخيش» من 360 إلى 500 ريال، والكيس الصغير من 85 إلى 220 ريالا مع ملاحظة أن كيس الخيش لا يكون مملوءًا بالكامل بل يتم ملء نحو 25 % من طاقته فقط حفاظًا على سلامة الجراد من الموت فيما ساهم في ارتفاع اسعاره محايا تصدير مئات الأكياس يوميا إلى الأسواق الكبيرة في الرياض والقصيم والكويت وبعض دول التعاون نظرا لحرص بعض الاثرياء والوجهاء على تواجده فوق المائدة في بعض المناسبات. وتجتمع على مشارف مدينة رابغ أعداد كبيرة من هواة أكل الجراد وصيده والمتاجرة فيه حيث يقام مزاده (الحراج) مع ساعات الصباح الأولى على يمين القادم من رابغ والمتجه إلى حجر حيث يجتمع المئات من هواة صيد الجراد والتجار لعرض منتجاتهم من الجراد في أكياس الخيش بينما يقوم آخرون بتوزيعه في أكياس خاصة للجراد مماثلة لأكياس البصل. وخلال جولة «المدينة» بالسوق يتضح أن أبرز ما يميز سوق رابغ صوت الدلال (المحرج) محسن المضيبري وهو يتنقل من كوم إلى آخر -والكوم عبارة عن اكياس (خياش) تفرد على الارض ولا ترص حفاظا على بقاء الجراد حيا وهو ينادي بأعلى صوته.. وين راع الجراد (الزعيري) اللي ما صيد الا اليوم وين راع الطيب السمين (التهامي)، ويصيح عند كوم آخر ياشاري كوم (المكن) -،والمكن هي الاناث المكتنزة بالبيض وتسمى (الدمون) والزبائن يقفون ويفتحون الاكياس للتأكد أنها خالية من فروع الشجيرات وانها كلها جراد والمحرج يصيح مكن - دمون نظيف ما خالطه شجر لأن بعض الصيادين يدخل الجراد بغصنه اوشجيرته أثناء صيده بالكيس فيزيد حجمه وفي ذلك خطورة من وجود ثعابين او عقارب ربما كانت مع الجراد لحظة صيده فقد تحدث لدغات او لسع. ومن الملاحظ تحول سوق الجراد إلى مزار للسياح المتجهين نحو مغينية وحجر يتوقفون عنده ويأخذون فكرة عنه ويمرون على البائعين وبعضهم يشتري أكياس صغيرة، وتبلغ قيمة الكيس 85 إلى 100 ريال كما يلهو بعض أطفالهم في مطاردة حبات الجراد الفارة من الأكياس أثناء التفريغ أو المعاينة ولا غرابة إن أمسك طفل بكتفك أو ظهرك في السوق أو آخر ظل يطاردك وأنت متوجه نحو سيارتك فالأمر عادي ماهي إلا جرادة عالقة بك يسعى الطفل للامساك بها وإن صاح فيك قف ياعمي فقف وابتسم إنك تحمل على رأسك أو كتفك جرادة والأطفال يحبون الزعيري الاصفر ويفرحون برؤيته والامساك به وهم في قمة السعادة فكثيرا ما ترى الرجل وهو يبتسم ويجلس أو يحني ظهره للطفل. بيعه حيًا وأكد محسن الرشيدي أن الجراد لا يباع إلا حيًا لان ذلك يؤكد للمستهلك عدم تعرضه للرش بالمبيدات السامة كما أن التجار يعملون على نقل انتاجهم وبضائعهم من الجراد في أسرع وقت للمستهلكين في أسواق المنطقة الوسطى والشرقية وحائل والكويت. وقال أبو محمد القصيمي إن صيادي الجراد يستغلون لحظات غروب الشمس حيث يحط الجراد رحاله للمبيت ريثما تشرق شمس النهار الثاني ويتتبع الصيادون خطواته ويتنقلون مع أسرابه حيث ان الجراد لا يحب الطيران ليلا إلا مكرها كما يعيق انخفاض درجة الحرارة طيرانه وهو ما يجعل عمليات صيد الجراد تنشط ليلا مع الظلام أو البرودة الشديدة. ويشير محسن عواض المظيبري الرشيدي وهو أحد المحرجين بسوق الجراد إلى أن الصيادين يلاحقون الجراد والإمساك به ليلا من فوق الاشجار خصوصا مع ضوء القمر والبعض يلجأ الى إشعال النيران او يقوم بحفر حفرة يبطنها بكيس ثم يسلط نورا على الحفر فيتهافت الجراد نحوها حتى يمتلئ الكيس فيما تستخدم انابيب البلاستيك 8-10 بوصة بغرسها في الارض على مستوى السطح فيتهاوى الجراد فيها. ويؤكد أن هناك الطريقة اليدوية بحيث يمسك وهو مترادف إلاّ أن بعضهم يبيت ليلته إلى جوار (المراح) -أي مكان مبيته- في انتظار ساعات الصباح الباكر، وهي اللحظات التي يكاد يشعر فيها الجراد بالشلل، ويفقد حركته مع تصاعد البرودة وبلوغ ذروتها، بالإضافة إلى أن هذه الفترة هي بداية جلاء الظلام وبالتالي تمكنه من تجنب خطر هوام الصحراء من عقارب وثعابين والتي يغريها هي الأخرى وجوده فتخرج من بياتها لتشاركهم الغنائم. وذكر أن الكشافات تعد وسيلة أساسية ومهمة لسلامة صياد الجراد ليتمكن من تجنب لدغ العقارب والثعابين أثناء الليل. أسواق متنقلة وأضاف الرشيدي أن وفرة الجراد في محافظة رابغ حاليا أسهم في نشأة سوق له وازدهار تجارته وتحول إلى نشاط وحرفة بواسطة ما يعرفون ب (الجرَّادة) المشتغلين بصيده وبيعه والذين جاءوا من مناطق مختلفة في المملكة والخليج وقد قطعوا مئات الكيلو مترات وسافروا من أجل صيده حيث يجتمعون في شرق مخرج حجر ومغينية من الطريق السريع جنوب شرق مدينة رابغ وهو سوق مؤقت سرعان ما ينتهي وبعدها يتم الانتقال الى ينبع او املج وغيرهما. تجارة ومتعة يقول أبو محمد القصيمي في صيد الجراد والمتاجرة فيه ولع وشعور بالمتعة وتجارة فربح الفرد يتراوح ما بين الخمسين والثمانين ألفًا خلال موسم صيد الجراد بالإضافة إلى المتعة ومعرفة الديار والتعرف على الرجال وتوسيع دائرة الأصدقاء. غذاء ودواء ويشير أبو زيد البقيلي الى أن الجراد عند عرب الجزيرة غذاء ودواء ويقطعون بحقيقة مقولتهم المعروفة (إذا جاء الجراد انثر الدواء)، ويعني ارم الدواء الذي لم يعد له حاجة باعتباره كبسولة علاج تمر على كل أنواع الأشجار والأعشاب، ومصادر استخلاص الدواء، وهناك طرق لحفظه وتخزينه طوال السنة تعتمد على سلقه بالماء والملح، ثم يجفف ويحفظ، وبعضهم يصنع منه «مثلوثة» بطحنه وخلطه مع الدقيق والتمر وهناك اعتقاد لدى العامة من الناس أن للجراد مفعول سحري لدى الرجال يقويهم وينشط خلاياهم ويغنيهم عن استخدام الفياجرا. طرق متنوعة ويوضح أبو خليل الشيخ أن الجراد من ألد أعداء المزارعين وأخطر الآفات على مزارعهم والعداوة بينهم قديمة لهذا انتهج المزارعون أساليب عديدة لمكافحة الجراد و(الدبا)، ومحاولة إبعاده عن مزارعهم وقراهم؛ إما بإشعال النيران، وعمل طوق ناري يتعاون عليه جميع سكان القرية ويستمرون في جلب الحطب، وإيقاد النار طول ليلهم ويلجأ آخرون إلى قرع الصفائح (التنك) الفارغة والقدور والعلب والضرب عليها طول الليل لمحاولة إبعاده.