لا أعتقد أن هناك مجتمعًا تعرّض لتغيُّراتِ فكرية وثقافية واجتماعية متسارعة؛ كما حدث مع مجتمعنا السعودي، الذي وجد نفسه أمام طوفان من التغيُّرَات عبر بوابات مختلفة أصبحت أكثر قربًا منه -بشكلٍ لا يصدقه عقل- حتى أصبحت تلك التغيُّرَات تسيطر على مجريات حياتنا. جميل هو الانفتاح على الآخر وتبادل الخبرات والثقافات، وأن نأخذ من المجتمع الإنساني أفضل ما عنده؛ من علمٍ وفكر وثقافة وحضارة، ونستبعد كل ما يُخالف عقيدتنا وقيمنا، وأخلاقنا التي نفخر بها ونعتز. المؤلم والمحزن هو حالة فقدان الهوية لدى فئة من أفراد مجتمعنا، وحدوث ما يُشبه الصدمة الحضارية وعدم الاتزان النفسي، والتكيُّف مع أفراد الأسرة والمجتمع.. اختل ميزان العقل والحكمة، فلم يعد المرء يُحكِّم عقله، ولا يسترجع ما يُؤمن به ويعتقد يقينًا وصدقًا، ولا يرجع إلى تلك النشأة الدينية التي شبَّ عليها وترعرع في ظل مجتمع إسلامي محافظ. قصص العنف والاعتداءات الجسدية والنفسية على أطفال عُزَّل هم كما نقول دومًا فلذات الأكباد ضحايا أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم وقعوا تحت يد من لا يخاف الله ولا يخشاه، وتلك المرأة الضعيفة المكسورة التي أُهينت وضُربت وتعذَّبت من قِبَل رجل ظالم لم يعِ حق قول الله تعالى في شأنها حينما أكد على (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). هل لنا أن نتساءل ونتحاور فيما حل بمجتمعنا اليوم، لماذا كثرت القصص والقضايا وتفككت الأسر بعد أن كُنَّا نسمع عنها نادرًا، البشر هم أنفسهم، ولكن تغيُّرَات الزمان، والجري خلف ملذات الدنيا بشكل مريب، وكأننا مُخلَّدون، وكأن الحساب عنَّا ببعيد. القضية تحتاج إلى مزيد من التأمل والتفكر، وإيجاد حلول سريعة من ذوي الاختصاص، كُلٌّ عليه مسؤولية وواجب، أنا وأنت وكل فرد في مجتمعنا مسؤول أمام الله عن هذا الذي يحدث ولا يُرضي الله جل في علاه. نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب البيت من الداخل، وتشخيص العلّة والمرض النفسي قبل الجسدي، ونعمل بفرق متكاملة لإيجاد الحلول حتى لا يستشري الوباء الاجتماعي. تذكّرت طفلة بريئة في إحدى المدارس التي عملت فيها عذّبتها زوجة أبيها، واتهمتها زورًا وبهتانًا في شرفها، حتى أوغلت صدر أبيها عليها، فعذّبها وحرمها من المدرسة، فما كان منها إلا أن قامت بحرق نفسها وماتت، وتساءلتُ حينها بأي ذنبٍ قُتلت، ومن يتحمَّل دم هذه الطفلة البريئة؟! صورتها لا تغيب عن بالي أبدا. وقلتُ حينها كم من إنسان أنعم الله عليه بنعمة الأبناء والبنات، فلم يرع حق الله فيهم، وكم من محروم يتمنى طفلًا واحدًا يُحسن تربيته، فهل نستشعر عظم هذه الأمانة وهذه النعمة ونتقي الله فيهم..؟! إليك أيتها الأم المربية.. أحسني تربية أبنائك ذكورًا وإناثًا، وعلِّمي الذكر منهم كيف يحترم الأنثى، أمه وأخته، حتى يعرف قدر زوجته وابنته غدًا، فلا يكن متجبرًا ظالمًا يقهر المرأة لضعفها، ولا يفهم معنى القوامة، إنه الظلم، والظلم حرّمه الله على نفسه، وجعله بين خلقه مُحرَّما. نحلم بأسرة سعودية متماسكة قوية، متراحمة يسودها الحب والألفة والأمان، بعيدًا عن العنف والكراهية والخوف. [email protected]