من غير الخافي أن المملكة العربية السعودية باتت تولي اهتمامًا كبيرًا بالتراث الذي يحتضنه ثراها من حيث المحافظة عليه، والتعريف به، واستثماره على وجه يجعل منه مصدر دخل مهمًّا بجانب التأكيد على مكانة المملكة ومساهمتها في الحضارة الإنسانية قديمًا وحديثًا.. ويمثل التراث العمراني أحد أهم المفردات التي تتميّز بها المملكة في سجل الحضارة الإنسانية، فقد كان لكل منطقة من مناطق المملكة المختلفة نمط معماري معيّن، تميّزت به عن غيرها من المناطق الأخرى، وإن كان التطور والنمو في العصر الحالي قد أسهم في ذوبان هذه الميزات الحضارية، إلاّ أنه ما زالت هناك آثار دالة على هذا الثراء والتراث العمراني، بما يستوجب المحافظة عليه والاستفادة منه سياحيًّا واستثماريًّا.. وهو ما تقوم به الهيئة العامة للسياحة والآثار التي تولي عناية خاصة بحفظ وتنمية التراث ليبقى مصدرًا للاعتزاز، وموردًا ثقافيًّا واقتصاديًّا، وأحد الأبعاد التي تحدد هوية البلاد، خاصة أن المملكة تضم عددًا كبيرًا من مواقع التراث العمراني، وتسعى للاستفادة من تراث المملكة الثقافي في تنمية سياحة ثقافية هادفة، سواء في مجال حماية التراث أو استثماره ثقافيًّا وإنسانيًّا وحضاريًّا واقتصاديًّا، ولهذا تنفذ عددًا من البرامج لترميم بعض المدن التاريخية والقرى والبلدات التراثية والأسواق الشعبية، وتتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام ووزارة التربية والتعليم في إبراز مكانة التراث العمراني والتعريف بمواقعه.. توفير فرص العمل فحول استثمار التراث العمراني اقتصاديًّا يقول الدكتور عبدالرحيم الغامدي رئيس قسم السياحة والفندقة بالكلية التقنية: إن التنمية الاقتصادية لمواقع التراث تسهم بصورة كبيرة في دعم الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص العمل للكثيرين من العاملين في المجال السياحي، ولا سيما من الشباب السعودي، بجانب إشراك المجتمعات المحلية في حماية التراث الخاص بها، لا سيما أن التراث ركيزة هامة للتنمية السياحية التي تعتبر مصدرًا كبيرًا لفرص العمل والتنمية الشاملة، ولهذا فإن حماية واستثمار التراث يسهم في تحويل المناطق التراثية إلى نقطة جذب هامة، موضحًا الدور البارز والفعّال للهيئة العامة للسياحة والآثار في الحفاظ على التراث، والهوية، والثقافة الوطنية التي تعبر عن التطور الثقافي والاجتماعي. إنعاش اقتصادي ومن جهته أكد الدكتور سالم باعجاجة أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف والمحلل المالي والاقتصادي أن الاستثمار الأمثل لمواقع التراث له مردود اقتصادي إيجابي سواء على المنطقة والمجتمع المحلي الذي يضم تلك المواقع التراثية أو الاقتصاد الوطني السعودي بوجه عام، وضرب مثالًا على نجاح مثل هذا الاستثمار بمصر التي تفتح مناطقها التراثية للسياح من العرب والأجانب، وتجني من وراء ذلك أموالًا طائلة تمثل جزءًا كبيرًا ومهمًّا من الاقتصاد الوطني المصري، مطالبًا الهيئة العامة للسياحة والآثار، والجهات السعودية المختصة بضرورة زيادة العمل على تنمية وتطوير المواقع التراثية الكثيرة التي تضمها أراضي المملكة، وتوفير الخدمات السياحية المناسبة من مواصلات، واتصالات، وإقامة بجانب الخدمات الترفيهية، ومن ثم الاستفادة من تلك المواقع بفرض رسوم للزيارة كما هو معمول بالكثير من دول العالم، موضحًا أن التراث يجذب الكثير من الزوّار ممّا يوفر الفرص الوظيفية للشباب العاطلين عن العمل بالمناطق التي تتبع لها المواقع التراثية حتى ولو كانت وظائف مؤقتة، مشيرًا إلى أن تنمية المواقع التراثية بصورة سليمة، واستغلالها سياحيًّا واستثماريًّا ينعش الاقتصاد المحلي في المجتمعات التي تتبع لها المناطق التراثية وبدوره يضيف للاقتصاد الوطني السعودي. رحلات سياحية ويقول الكاتب والخبير الاقتصادي فضل البوعينين: إن مناطق التراث العمراني تُعد من أهم عوامل الجذب السياحي، وربما هناك اختلاف ما في ثقافة الشعوب حول أهمية وقيمة التراث، ففي الغرب وبعض الدول العربية مثل مصر ترتفع القيمة المعنوية والمادية للتراث، حيث تجسد المواقع التراثية أساسًا للجذب السياحي، وبالتالي الاستثمار والانتعاشة الاقتصادية، وتلك الثقافة تقل لدى السعوديين، رغم أنها وخلال السنوات القليلة الماضية بدأت تتغيّر مع زيادة الطلب على زيارة المواقع التراثية، فقبل عشر سنوات مثلًا كان أغلب السعوديين لا يبذلون أي جهد لزيارة المناطق التراثية، ولكن حدث تغير في ذلك ربما بسبب التركيز الإعلامي على التعريف وبيان أهمية المناطق التراثية، ومع مرور الوقت ستنتشر تلك الثقافة من الكبار إلى الصغار.