مصر دولة عربية كبيرة، ولها دور محوري وإستراتيجي في العالم العربي والمنطقة. استبشرنا خيرًا في مايو الماضي بنجاح الانتخابات الرئاسية المصرية التي فاز بها مرشح جماعة "الإخوان المسلمين" الدكتور محمد مرسي، حيث وصف مراقبون ومحللون الانتخابات ب"النزيهة"، وبأن الشعب المصري هو مَن اختار رئيسه على نحو فعلي لأول مرة منذ عشرات السنين. ما كان مفاجئًا، ويعتبر -من وجهة نظري الشخصية- "إجهاضًا للثورة"، الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي الخميس الماضي، الذي لم يخفِ فيه رغبته في تحصين كل ما صدر، ويصدر عنه من قرارات، حتى إقرار الدستور والتصويت عليه، بحيث تصبح تلك القرارات غير قابلة للطعن من قِبل أي جهة، إلى جانب عدم جواز قيام أي جهة قضائية بحل مجلس الشورى، أو الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع مشروع الدستور، وهو ما يعني إنهاء كافة الدعاوى المتعلقة بقرارات الرئيس، ومصير الجمعية التأسيسية، ومجلس الشورى المنظورة أمام القضاء، كما تضمّن الإعلان الدستوري إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود -حتى وإن كان مطلبًا لغالبية أحزاب المعارضة- وتعيين آخر بدلاً منه اعتبر -في نظر غالبية القضاء- مخالفًا للقانون. يبدو من الواضح أن الرئيس مرسي من خلال هذا الإعلان الذي يجمع فيه بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إنما أدخل نفسه في مواجهة مباشرة مع الشارع المحتقن أصلاً، ومع بعض القوى المدنية، وغالبية الأحزاب السياسية، وأيضًا مع القضاة الذين أعلنوا أمس الأول التوقف عن العمل بكافة محاكم ونيابات مصر، إضافة إلى استقالة عدد من نواب الرئيس، ومستشاريه. "إعلان مرسي" أعاد الحياة لميدان التحرير الذي أسقط الرئيس السابق محمد حسني مبارك، بعد حكم دام أكثر من 30 عامًا، حيث أعلنت العديد من القوى المدنية نيّتها تنظيم تظاهرة حاشدة في الميدان غدًا الثلاثاء، كما أن جماعة "الإخوان المسلمين" دعت أنصارها للتظاهر بالميادين في نفس اليوم تأييدًا ل"إعلان الرئيس"، وهو ما قد ينذر بكارثة إذا تواجه الطرفان، لذا فإن الرئيس المصري مُطالب بأن يجتمع ويستمع للقوى السياسية البارزة بالبلد، كالدكتور محمد البرادعي، والمرشحين الرئاسيين السابقين حمدين صباحي، والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح؛ والعمل معًا من أجل رسم خارطة طريق للنجاة ب"المحروسة" إلى بر الأمان.