اقترنت مواسم الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية ، و للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العقود الأخيرة اقترنت بما يمكن تسميته متلازمة شن الحروب على البلاد الإسلامية أو بالهجمات العسكرية الاستعراضية عليها أو التهديد بذلك بدعوى الحرب على الإرهاب حرباً لا هوادة فيها و لا نهاية في الأفق لها. فيخاطب المرشحون دوائرهم الانتخابية بقيام قوات البغي و العدوان و الغطرسة بإمطار سماء البلاد المسلمة المستهدفة كغزة مثلاً بأمطار الهلاك و الدمار من الفسفور الأبيض المذاب و القنابل الفراغية و الأخرى العنقودية و تلك المتشظية و قذائف اليورانيوم المنضب و ببرق وميضه من عوادم صواريخ الموت و الدمار التي تبث الرعب في القلوب و رعد يصم الآذان من هدير الطائرات المقاتلة الأسرع من الصوت و أخرى من غير طيار و ثالثة عمودية و أصوات المدافع الثقيلة من البر و البحر كل ذلك بهدف إقناع الناخبين باختيار هذا المرشح أو ذاك على انه الضامن لأمن و سلامة إسرائيل أو أمريكا ، كما تفعل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة حالياً في اعتدائها الأخير على غزة الأربعاء الماضي . كل هذا العدوان يأتي على خلفية غياب التضامن العربي و غياب الرادع العربي أو هكذا كان الوضع عندما شنت إسرائيل على غزة عملية إرهابية أطلقت عليها اسم الرصاص المذاب 2008 / 2009 م ، و قتلت الآلاف و جرحت أضعافهم و دمرت البنية التحتية لمليون و نصف إنسان أعزل و العالم «الحر» و «المجتمع الدولي» صامت صمت الرضا و التواطؤ على جرائم الحرب الإسرائيلية و أعمال الإبادة الجماعية. و يأتي هذا العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة وسط الكثير من المتغيرات بالمنطقة فمصر أرض الكنانة لم تعد تحت سيطرة نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي جعل من نفسه و من نظامه سياجاً حامياً للكيان الصهيوني على مدى العقود الماضية ، بل على العكس من ذلك تماماً جاءت ردود فعل الحكومة المصرية الحالية سريعة و حازمة و متتالية منها سحب السفير المصري من تل أبيب و طرد السفير الإسرائيلي من قاهرة المعز ، و منها تحركات سياسية لما يمكن اعتباره حكومة حرب مصرية مصغرة لمجابهة كل احتمالات التصعيد للعدوان الإسرائيلي ، و تحركات عسكرية مصرية في سيناء و إليها استعداداً لمجابهة التصعيدات الإسرائيلية المحتملة ، و منها خطاب الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي عن العدوان الإسرائيلي على غزة بأن مصر لا تقبل و لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاعتداء على غزة. و من المتغيرات في المنطقة بعد الربيع العربي هو كسر شعوب الربيع العربي كثيراً من حواجز الخوف التي كبلت الأمة لعقود سابقة ، فالحرب مع إسرائيل حرب وجود لا حرب حدود. كما أن من المتغيرات في المنطقة تطور تسليح المقاومة الفلسطينية في داخل غزة ذاتها ، فبعد ساعات قليلة من إعلان وزير الدفاع الصهيوني إيهود باراك بالتالي ( إن الضربات الجوية على غزة قد أسفرت عن تدمير صواريخ «فجر» التي تصنعها حماس محليا ) فجاء جواب المقاومة الفلسطينية مفاجئاً للعدو الصهيوني بإطلاق كتائب القسام لأعداد كبيرة من صواريخها تقدر بالمائتين نحو المدن و البلدات الإسرائيلية و منها نسخة مطورة من الصاروخ «فجر 5» التي طالت أهدافاً في ضواحي العاصمة الإسرائيلية تل أبيب و لأول مرة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي ، و تنذر بأن صواريخ المقاومة قد تطال مفاعلات إسرائيل النووية بديمونا في صحراء النقب. الأمة متعطشة لموقف تضامن عربي إسلامي رسمي و شعبي موحد يشمل تركيا في نصرة غزة خصوصاً و القضية الفلسطينية عموماً ، موقف تضامن عملي بعيداً عن الشجب و الشكوى للأمم المتحدة و مجلس أمنها المتحيزين دوماً إلى إسرائيل ، موقف هو المحك الحقيقي للتغير الإيجابي في المنطقة و نحو الأفضل و الأصلح للأمة الإسلامية ، موقف يقول لإسرائيل و لمن وراء إسرائيل بالأفعال لا الشكاوي و لا بالاسترحام أن زمن غياب الردع العربي بسبب التفوق التقني و الدعم المالي و السياسي من قبل الولاياتالمتحدة و الغرب عموماً قد ولى إلى غير رجعة ، و أن زمن العربدة الإسرائيلية في المنطقة قد ولى ، و قديماً قال الشاعر العربي: متى تجمع القلب الذكي و صارماً ..... و أنفاً حمياً تجتنبك المظالم.