الصفاء في هذه الدنيا عزيز.. والسعادة لا تنشر أشرعتها دومًا على سفينة الحياة.. بل لا يختلف الكثيرون أنه لا يستلذ المرء بها إن دامت.. في حياة الأزواج تمرُّ بضعة أيام تحتاج فيها النفوس لبعض صفاء.. وبعض خلوة.. وأحيانًا بعض افتقاد..! قليل من الافتقاد.. يمكنه أن يشعل فتيل الحب من جديد.. وينشر دفء الحنان بعد صقيع الجفاء.. مساحة البعد التي أتحدث عنها هي ما قد ينصح أن تكون بين زوجين متخاصمين.. بل ربما مختلفين ولو لم يختصما. .يجد كل منهما في نفسه على الآخر لسبب من الأسباب.. ولا يفتأ الشيطان يزيد من الفجوة وينفخ في رماد الكراهية حتى يشعل النار فتحرق القلوب.. إن الرصد السلبي تتعاظم دقته تحت تأثير الغضب بل تميل النفس الغاضبة دومًا إلى سحب كل التصرفات إلى رصيد السيئات. حينها.. نقول للحبيبين المتخاصمين: قليل من البعد لا بأس به.. لتهدأ النفوس.. وتفتقد الجو المعتاد.. ولا تبقى مساحة للخطأ كبيرة يمكن أن تكون مادة للشيطان.. عندها سيجد كل منهما مكان الآخر خاويًا.. وستكون فرصة لمراجعة النفس وطرد وساوس الشيطان. إنها وسيلة لقطع حبل الكراهية الذي يمده الشيطان يومًا بعد آخر ليكبل به عقولاً وقلوبًا جمعها أعظم رباط مقدس بين البشر. ثبت في السنة أن عائشة -رضي الله عنها- استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تمرّض عند أبويها، فأذن لها صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعها.. وكان ذلك في أثناء حادثة الإفك. على الرغم من أن الأمر قد ذاع بين الناس وهي لا تعلم.. لكنه أراد صلى الله عليه وسلم أن يترك لها مجالاً من الخلوة بالنفس، والبُعد عن دارها التي تحب.. رغم أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن قد جفاها، بل كان يعودها عند والديها. ولم تنكر منه صلى الله عليه وسلم إلاّ أنه كان يسأل عنها بالإشارة، وذلك بقوله (كيف تيكم؟) إن الأدب النبوي الكريم أعطى للحبيبة المريضة الغافلة عمّا يكاد لها فرصة للنقاهة بعيدًا عنه، وبعيدًا عن الدار التي تجمعهما معًا. فليكن للأزواج فيه قدوة.. فإن قليلاً من البعد ربما يكون خيرًا من كثير من القرب في بعض الظروف. إن الحكمة في اختيار القرب والبُعد بين الزوجين زمانًا ومكانًا يمكن أن تكون حلاً لبعض المشكلات ويمكن أن تكون ترياقًا يجدد المحبة، ويعيد للعلاقة جمالها الذي شوّهته الأيام، ولعل في قوله تعالى (لتسكنوا إليها) أعظم إشارة إلى هذا المعنى. فالسكن إلى الشيء ليس هو بالضرورة السكنى معه.. فكم من شخص ربما تسكن معه ولا تسكن إليه.