سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإحصاء علم دقيق لا تخمين نسب إحصائية لا مصدر لها تعتمد على تخمين وتقدير، وقد يبني عليها معلنها أحكاماً تشوه الحقائق أو تثير لدى الناس خوفاً من مخاطر كبيرة!!
علم الإحصاء أصبح له دور عظيم في حياة الأمم، عليه تبني الدول مخططاتها للمستقبل في مختلف نواحي الحياة، لا تتم من دونه تنمية، ولا يحدث بدونه استقرار، بل لا تقوم صناعة ولا زراعة ولا خدمات، إلا عبره وببحوث تقوم عليه، الإحصاء أصبح ركناً مهماً في حياة الشعوب، ولكنه في الحقيقة علم دقيق، يقوم به متخصصون أثرتهم التجارب، فلا يخرج من تحت أيديهم إحصاء إلا وهو يمثل واقعاً بعد دراسات ميدانية تقوم على أسس علمية، وأعلم أن لدينا مؤسسة للإحصاء ملحقة بوزارة المالية، ولكن إحصاءاتها قليلاً ما يعلن عن نتائجها، وقد تقوم وزارة التخطيط ببعض الإحصاءات العامة، ولكنها تستخدم في دراسات تخصها، وقل أن تكون متاحة، ليمكن متابعتها بسهولة، وتترك الساحة لأرقام تعلن لا يعرف مصدرها، ويبنى عليها معلنها أحكاماً أحياناً تكون خطيرة جداً، فمثلاً نشرت جريدة الجزيرة يوم الثلاثاء 21/12/1433ه خبراً على لسان مسؤول في جمعية حماية المستهلك يجزم أن 70% من الأسماك المعروضة في أسواقنا المحلية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، مما يثير رعباً بين الناس عندما يقرأون مثل هذا، ثم يتضح أن معلن هذا الرقم إنما هو مستشار لجمعية حماية المستهلك، تلك الجمعية التي لم يشعر المستهلك لها بفعل في خدمته أبدا، والسؤال هنا هل استقصى هذا المستشار كل الأسواق وكل كميات المعروض من الأسماك، وأجرى اختباراً معملياً لها، فأدرك بيقين أن 70% منها غير صالحة للاستهلاك الآدمي، قد يعجب الكثيرين مثل هذه التصريحات ويرون فيها كشفاً عن ألوان من الغش، ولكن تحديد النسبة لا يتم عبر تقدير عشوائي فقط، فيثير ذعراً لدى الناس ولا حقيقة له، إنما هو من قبيل التخمين فقط، ومثل أن تجد خطيب جامع متحمساً يثير لدى الناس في جدة شكًّا في بناتهم في المدارس الثانوية والمتوسطة فيزعم أن 62% منهن مدخنات، وكأنه قد أجرى إحصاء موثقاً في مدارس جدة فاتضح له هذه النسبة المثيرة رعباً عند أولياء أمور هات البنات، ثم لا يكتفى بهذا حتى يزعم أيضاً أن 95% من دخل أصحاب المقاهي والمطاعم من جيوب المدخنين وكأنه قد أحصى هذه المقاهي والمطاعم في مدينة جدة، ثم أحصى دخولها، ثم أحصى أثمان ما يقدم لروادها من دخان الشيش فعلم يقيناً أن 95% من الربح تأتي منه، وكأن لدى هذه المقاهي والمطاعم سجلات حسابية دقيقة مميز فيها بين دخلها مما تقدمه لزبائنها من طعام وشراب، وما تقدمه من خدمات أخرى يعترض عليها، وتميز بين ما أنفقته على إعداد كل ذلك وما تربحه منها، وهو الأمر حتماً الذي لم يحدث، وإنما هي نسب تقديرية مبنية على أوهام، ثم لم يكتف بهذا حتى ضم إلى بنات جدة سيدات الأعمال في الرياض فحكم أن 30% منهن مدخنات، وكأنه قد أحصى سيدات في الرياض فعلم عددهن على وجه الدقة، ثم أجرى إحصاء بينهن لم يغادر أي واحدة منهن ليصل إلى هذه النسبة الدقيقة، وهو ما أجزم أنه لم يحدث أبداً، ثم أضاف الطبيبات السعوديات فوجد أن منهن 16% مدخنات، وكأنه قد أحصاهن عدداً، فعلم عدد المدخنات منهن فخرج بهذه النسبة الدقيقة، ثم لم يترك طالبات الجامعات فحدد أن منهن 10% مدخنات، فقد أحصى عدد طالبات الجامعات الثلاث والثلاثين ووجد أن ما يساوي العشرة في المائة منهن يدخن، هن أخبرنه بذلك أو أن الجامعات قد أجرت بين طالباتها إحصاء دقيقاً ونشرته فعلم هذه النسبة من هذا الإحصاء الفعلي، ثم عاد ليفصل النسبة الأولى أي 62% من طالبات الثانوية والمتوسطة مدخنات ليخبرنا أن تخمينه لنسبة المدخنات من طالبات المرحلة المتوسطة هي 37% أما نسبة المدخنات في المرحلة الثانوية فبلغت 35%، وهكذا لو تتبعنا ما ينشر في صحفنا المحلية من نسب إحصائية كهذه لا مصدر لها، وإنما هي تعتمد على تخمين وتقدير، رغم أن بعضها قد يبنى عليه معلنها أحكاما تشوه الحقائق أو تثير لدى الناس خوفاً من أنهم يتعرضون لأخطار كبيرة، بل قد يبلغ الأمر أن الرعب يحل في قلوب الناس بسبب ذلك، فمن سمع نسبة السبعين في المائة من الأسماك غير الصالحة للاستهلاك الآدمي قد تجعله يضرب عن تناول الأسماك أصلاً، حتى لا يعرض نفسه لخطر الأمراض، فهل لنا القدرة على ضبط هذا الأمر فلا يعلن أحد نسبة إلا إذا كان مصدره موثوقاً وقد أجرى إحصاء فعلاً. هو ما نرجو، والله ولي التوفيق. [email protected]