عاشت ولاية نيويوركوالولاياتالشرقية في الولاياتالمتحدة أياماً عسيرة عندما اجتاحها الإعصار المدمر "ساندي" حاملاً معه البرهان على ضعف الإنسان مهما بلغت قدراته، جاء الإعصار "ساندي" متهادياً من البحر الكاريبي وانتقل عبر المحيط الأطلسي على مدى عدة أيام وهو يزداد عنفاً وضراوة فارداً جناحيه على مئات الأميال، وفي مساء الأحد بدأت مياهه تداعب أطراف اليابسة، وفي يوم الاثنين كانت نيويورك تتأهب للضربة الكبرى حيث أغلقت المحلات التجارية، وأقفلت الدوائر الحكومية والتجارية، وألغيت آلاف الرحلات الداخلية والدولية، وتوقفت حركة القطارات وحافلات النقل العام وقطارات الأنفاق، وسدت الطرق المؤدية إلى الأنفاق والجسور، وأسدل الستار في دور عرض المسرحيات والأفلام، وبدأ الإخلاء الإجباري لمئات الألوف من السكان القاطنين في الأماكن الأكثر تعرضاً للخطر، وجهزت المدارس العامة والكنائس والملاجئ لاستقبال النازحين، وعطلت المدارس والجامعات، وجهزت فرق الإنقاذ من أفراد الشرطة والدفاع المدني والإسعاف وفرق الصيانة لشركات الماء والكهرباء والهاتف، وخرج عمدة المدينة، مايكل بلومبرج، على الناس عبر التلفاز ليوضح للجمهور أماكن الخطر والإخلاء ومواقع الإيواء والاستعدادات التي تم اتخاذها وعلق الرئيس باراك أوباما حملته الانتخابية وأعلن حالة الطوارئ الفدرالية في ولايتي نيويورك ونيوجيرسي مما يؤهلهما لتلقي المساعدات المالية والعينية من الحكومة الفيدرالية واستعدت الولايات المجاورة لإمداد الولايات المنكوبة بفرق الإنقاذ والصيانة. بعد ظهر الاثنين كانت مدينة نيويورك، المدينة التي لا تنام، أشبه ما تكون بمدينة أشباح، لا يشاهد في شوارعها سوى سيارات الشرطة والمطافئ، كان الجو كثيف الغيوم تتخلله زخات خفيفة من المطر ويخيم على المدينة الهدوء الذي يسبق العاصفة، ويسيطر على الناس شعور بالتوتر والرهبة فبرامج التلفزيون على جميع المحطات تحولت لمتابعة الإعصار ومكان وصوله وآثاره، وكذلك كان هناك شعور بالعزلة، فها نحن في مانهاتن على جزيرة صغيرة لا تزيد مساحتها على ستين كيلومترا مربعاً يتزاحم فوقها مليونان من البشر، ولا سبيل لنا للاتصال بالعالم فالمطارات مغلقة وكذلك الجسور والأنفاق ولا وسيلة للخروج من هذا المحتجز لمن شاء أن يحاول إلا بالسباحة وسط الإعصار الضارب. في مساء الاثنين، جاءنا الإعصار، كأنه المنتخب السعودي أيام زمان، لا شيء يعيقه.. بدأ القصف بالأمطار التي تتساقط أفقياً ثم بالرياح التي كانت تدك المدينة دكاً فلم تقف في طريقها شجرة أو عمود كهرباء أو برج من أبراج الهاتف الجوال، ثم ترادفت الأمواج العاتية التي بلغ ارتفاعها أربعة أمتار فغمرت الطرقات المحاذية للمحيط والأنهار، وتدفقت في شوارع المدينة لتتسرب إلى الأنفاق ولتغمر الأقبية في العمائر والبيوت. كنا نعيش التجربة الرهيبة من حصن حصين يبلغ ارتفاعه تسعين دوراً، وكان المبنى يهتز ويتأرجح بفعل الرياح وكأننا نعيش زلزالاً عنيفاً غير أن الزلزال لا يدوم أكثر من ثوان أو دقائق وهذه الريح لا تكف عن الضرب المتواصل لساعات وكأنها في صراع مع ناطحات السحاب النيويوركية، النوافذ الزجاجية المزدوجة كانت تصطك وتصدر أنيناً أشبه ما يكون بآهات الألم. عند الفجر هدأت العاصفة واستيقظت نيويورك لتلعق جراحها وتتفقد آثار دمارها ونحن ننظر من مكاننا المنيع ونقول، سبحان الله، والحمد لله، ولا قوة إلا لله وبالله الجبار العظيم. للتواصل: [email protected] فاكس : 02/6901502 [email protected]