تكتسب زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للمملكة اليوم أهمية خاصة، باعتبارها أول محطة له في المنطقة، منذ تسلمه الرئاسة قبل نحو ستة أشهر، بما يؤكد على متانة الشراكة التي تربط البلدين الصديقين على كافة المستويات والأصعدة، وهو ما يتضح بشكل خاص في توافق المواقف السياسية بين البلدين، خاصة تجاه قضايا الشرق الأوسط، وعلى الأخص قضية السلام والأزمة السورية. الزيارة من هذا المنطلق تعميق للعلاقات الوثيقة التي ظلت تربط بين الرياض وباريس منذ عهد القائد المؤسس الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- والتي ظلت تزداد متانة منذ ذلك الوقت، لاسيما على إثر اللقاء التاريخي الذي جرى بين جلالة الملك فيصل -يرحمه الله- وبين الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديجول قبيل حرب حزيران 1967، والتي اعتبرت نقطة تحول هامة في مسيرة العلاقات بين فرنسا والدول العربية بشكل عام، وفرنسا والمملكة بشكل خاص، حيث تمكن جلالته -يرحمه الله- من إقناع الرئيس الفرنسي الذي اقترن اسمه بالمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي لبلاده بعدالة القضية الفلسطينية، وهي السياسة التي ظل يتمسك بها الأليزيه منذ ذلك الوقت، رغم تغير الأحزاب التي تولت الحكم خلال تلك الفترة بما في ذلك الاشتراكيين الذين التزموا أيضًا بهذا الخط في السياسة الفرنسية. اليوم يدشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- والرئيس هولاند مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين لا تقوم فقط على مدى القلق الذي يساور القيادتين إزاء التعقيد الذي تشهده الأزمة السورية، ومدى المعاناة والآلام التي يكابدها الشعب السوري نتيجة عمليات القمع التي يمارسها نظام الأسد ضد هذا الشعب المكلوم، وضرورة المبادرة باتخاذ إجراءات عملية وعاجلة لوقف حمام الدم السوري، وإنما أيضًا على التعاون في المجالات الأخرى التي تخدم قضايا السلام في العالم من خلال توسيع مستويات الحوار بين الأديان والثقافات، وهو ما أمكن لمسه من خلال الندوة السعودية الفرنسية لحوار الحضارات، الذي دعا إلى تأسيسها خادم الحرمين الشريفين في إعلان مكة، والتي عقدت ثلاثة اجتماعات منها حتى الآن، فيما يجري الإعداد للرابعة، وذلك بهدف تعزيز أواصر التفاهم، والتقارب بين الأمم والشعوب، والتأكيد على قيم الوسطية والاعتدال والتسامح التي يدعو إليها الإسلام.