سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أمانة جدة وناديها الأدبي.. “كلام في كلام!" أمر محزن حقًا أن تختزل الثقافة لدينا في ذكريات و(سواليف)، وأن يقرأ مثقفو المدينة الظواهر كما يقرأها محدود الثقافة والمعرفة
مدينة جدة.. التاريخ ورائحة البحر ومواويل السمار في ليالي الحنين. جدة «من تعب ومن ذهب وأندلس وشام/ فضة زبد/ وصايا الأرض في ريش الحمام».. هذه المدينة توفر لها من الظروف التاريخية والاجتماعية والجغرافية لأن يجعلها فضاء لحضارة تنمو، وازدهار يتألق.. هل ترون معي أن هذا الجمال الساكن في أوردتها ينسجم مع المشهدين (الجداويين) الآتيين.. وأقول: (جداويين) لأن تداعياتهما السلبية صارت ماركة مسجلة بها في كل الأحوال! (1) يذهب مسؤول في أمانة مدينة جدة مؤخرًا إلى أهمية عملية تدوير النفايات للاستفادة منها والتقليل من آثارها.. يقول: «إن مليارات الريالات تذهب دون الاستفادة منها بشكل فعلي، ناهيك عن أضرار هذه النفايات على الاقتصاد الوطني في حالة عدم تدويرها بالشكل السليم، حيث قدر خبراء أن المملكة تهدر سنويًا ما لا يقل عن 40 مليارا بسبب عدم الاستفادة من أطنان النفايات». وفي الحقيقة فإن مثل تلك التصريحات (الغريبة) قد ألفناها من بعض مسؤولي المؤسسات الخدمية في هذه المدينة المغلوبة على أمرها أبدًا، للدرجة التي نظن معها أنهم لم يمرّوا يومًا في أحد شوارعها المتصلدة المهترئة، ولم يدخلوا آمنين إلى أحد أحيائها التي أصبحت مرتعًا دائمًا للنفايات المهملة.. لتقول في نفسك متعجبًا: «أين يعيش هؤلاء؟!». يا سعادة المسؤول: وهل ترى أن هذه الفكرة لم تخطر على بال أحد يقيم علاقة دائمة بالبيئة؟! هل ترى أن هذا التدوير فتح مبين نرفع له رايات النصر والعزيمة؟! ثم ألا ترى معي أن هذا الحديث الآن كحديث من يتحدّث عن الاستفادة من الماء، في الوقت الذي يموت مئات الضحايا غرقًا من الفيضانات والسيول!!. هل رأيت يا صاحبي النفايات المتراكمة كجبال في أكثر أحياء جدة.. أرأيتِ كيف تشارك هذه النفايات المتناثرة حياة الناس في أحياء الهنداوية والثعالبة وغليل والوزيرية وبقية الأحياء الجنوبية غربًا!!. هذه الصحيفة لطالما اقتنصت صورًا لهذه المعاناة من أرض الواقع.. ليس للاستعراض، وإنما لتطلع عليها سعادتك وزملاؤك ممن حملوا أمانة نظافة هذه البيئة! صدقني يا سعادة المسؤول، إن هذه المشاهد (السيئة) اختفت من جميع بلاد العالم، وأنت تتحدث عن التدوير!! تدوير (إيه) في هذه الظروف البائسة.. بالإمكان أن (ندور) حتى نشبع، بعد أن ننقذ حياة المواطنين من أمراض العفن وأوبئة الإهمال.. أما عن ال 40 مليار التي تخسرها بلادنا بسبب عدم التدوير فقد ألفنا مع الأمانة هذه الأرقام الفلكية من سلسلة فشلنا.. يا أخي أنقذ مواطنيك من المرض، والسؤال الآن: أين ذهبت المليارات الأخرى المخصصة لنظافة المدينة؟! إن كان في حديثك قيمة، فهي قيمة المواطن المخلص الذي يريد أن يوفر لدولته الرشيدة مليارات الريالات!!. رحمة بمشاعرنا يا سعادة المسؤول، لأن عقولنا لم تستوعب مثل تلك التصريحات فتعطلت منذ أمد..! (2) وفي الشأن الثقافي لمدينة جدة جاء الخبر كالتالي: (يقيم النادي الأدبي الثقافي بجدة هذا الأسبوع ندوة بعنوان: «جدة إن حكت» يشارك فيه د. عبدالله مناع ود.لمياء باعشن، استكمالًا لسلسلة الندوات التي بدأها أحمد باديب ود.اليافي في الموضوع ذاته). وأقول: ألا ترون يا سادتي مثقفي المدينة بأن المسألة (طولت) وأصبحت متكررة مملة مبتذلة، أعني: الحديث عن الزمن الجميل في جدة.. السور والبحر والرواشين والذكريات والإنسان المفعم بالفرح والطيبة والاطمئنان.. نسمعه في إذاعاتنا ونشاهده في قنواتنا ونقرأه في كتب كثيرة تمتلئ بها أرفف المكتبات، بل إن د.المناع وباعشن لطالما تحدثا به كثيرًا في الإذاعة والتلفزيون والمراكز الأدبية والمجالس العامية. أمر محزن حقًا أن تختزل الثقافة لدينا في ذكريات و(سواليف)، وأن يقرأ مثقفو المدينة الظواهر كما يقرأها محدود الثقافة والمعرفة.. كما أن كثيرًا من مدن المملكة تمتلك خصوصية جميلة في مظهرها ومخبرها وتقاليدها ذات زمن جميل.. فلماذا لا يتحدث (أهل جدة) إلا عن جدة فقط، خاصة وأننا نعيش هذه الأيام تداعيات اليوم الوطني الذي توحدت به مدن هذه الأرض الطيبة في بنية كلية واحدة! هل الانتماء الوطني في بعض الذهنيات يعود إلى جدة/ المدينة أم إلى المملكة/ الوطن؟! دعونا من هذه الفكرة المناطقية الساذجة وانشغلوا بموضوعات أكثر أهمية وصدقًا وثقافة ووعيا! .. كان يمكن أن نتقبل هذا الطرح الشعبوي العاطفي، لو اشتغل فاعلوه على دراسة أنثربولوجية للمدينة، أو على التنقيب الحر في الحفريات القديمة للخروج بنتائج وحقائق يستفيد منها كل من له علاقة بمدينة جدة.. أو على التغيير الرهيب فيما يقدمه ناديها الثقافي بين زمني الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين.. قديما، وزمن الذكريات في الوقت الراهن!! [email protected]