السّائل (ع . م): أشكو من ضعف في فهم اللّغة، خاصة النحو، فبمَ تنصحني؟ الفتوى 61: الذي أعتقده أنَّ كلَّ مَن كانَ له قلبٌ حاضرٌ حين تعلّمه وتفهّمه لا بدَّ أن يفهمَ ما يقرأ، أو يسمع؛ بشرط سلامة الكلام من الخللِ، والتعقيدِ، والإبهامِ، وصلاح المتلقي لما يُلقى إليه، وإنّما يتفاوت الناسُ في ذلك في سرعة الفهم والحفظ، بحسب تيقظهم، وملكات استعدادهم، وجمعية القلب، وأمّا أن يكون الكلام صحيحًا، والقلب شاهدًا ثم لا يفهمه صاحب العقل السليم فذلك ممتنع، ويصعب تصديقه، نعم يقع ذلك -وهو كثير- للمرّة الأولى، أو الثانية، أو الثالثة؛ لخفاء معنى مفردة، أو اصطلاح، أو تركيب، ثم لا يلبث صاحبه أن يفهم، ولو بعد مرّات؛ فالقلب يحتاج إلى جلاءٍ وتصفيةٍ، وتكرار ذلك ينفعه ويصقله كما تصقل المرآة، وعلى هذا كان دأب أولي العلم، وما من أحدٍ من العلماء إلاَّ عَسُر عليه معنى آية، أو حديث، أو كلام من الشعراء، أو النثر، أو عَسُر عليه علمٌ بأسره، وقد شكا الحافظ السيوطيّ من علم الحساب، وقال: إنه لم يفتح له فيه، وفتح فيه على مَن هو أقلّ منه حفظًا وعلمًا وفهمًا. ولكنَّ طالبَ العلم الذي اعتاد أن تفتح له أبواب العلوم بسهولة ويُسر يشقّ عليه الصبر، ويظن أنه أغلق عليه قياسًا على ما فتح عليه فيه. ولو قرأتَ تراجمَ أهل العلم لأدركتَ أنهم اعتاصت عليهم علوم، أو مسائل، ثم فُتِحت لهم أبوابها بمفاتيح الصَّبر، واهتزت لهم بعد أن كانت كالأرض الجرز، وفيها (سورة الجرُز) يقول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا). [السجدة: 24]. وانظر في ترجمة ابن سيناء، وأبي حامد الغزالي، وابن تيمية وغيرهم، فإنه مَن يتفهّم يفهّمْه الله، وقال عليه الصلاة والسلام: (ومَن يتصبَّر يصبّره الله). وإن كثيرًا من الشجعان لم تكن غلبتهم لأقرانهم الذين يستوون معهم في الشجاعة والقوة، أو يزيدون، لم تكن غلبتهم إلاَّ بصبر ساعة، كما قال عنترة عن نفسه، فلا تظلم نفسك -أيُّها الأخ- بأوهام كاذبة خاطئة، وتقطع الطريق على نفسك، واجمع همّك وأردْ ما يكون يكن -بعون الله- ما تريد، وقد ذكرت بعض النصائح النافعة في فتاوى سابقة.