هذه العبارة كانت جوابًا لأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها في حادثة الإفك.. حين سئلت عن عائشة رضي الله عنها، وهي ضرتها الأصغر سنًا والأكثر حظوة، والأقرب إلى قلب الزوج الحبيب عليه الصلاة والسلام!. لقد كانت رضي الله عنها بعيدة عن التشفي والشماتة أو النيل من عرض مسلمة، أيا كانت فضلا عن أن تكون ضرة، لربما كان في التعريض بها راحة منها إلى الأبد!. حيث لم تستغل حيرة النبي صلى الله عليه وسلم وما أصابه من مشقة! ولا ما أشار به سواها من فراق عائشة رضي الله عنها، ولم ترض أن تكون حتى في موقف التأييد لرأي لا تبنيه على بينة!. هذا الورع والعدل والإنصاف، هو حقيقة الإيمان التي غابت لدى الكثير من الناس، حتى صار الولوغ في الآخرين وظلمهم في الحكم عليهم هو عادة بعض الناس بلا إحساس بأدنى تأنيب ضمير لإطلاق الأحكام على الآخرين بلا برهان!. لم تكن زينب رضي الله عنها ممن وضع المعروف في غير أهله، فقد أنصفتها عائشة رضي الله عنها في معرض ذكرها لما قالت حين وصفتها بقولها (وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم). هذه الجملة الاعتراضية، لم تذكر اعتباطًا، بل هو عرفان من حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لموقف زينب رغم توفر فرص التشفي والتعريض، فهو سياق مدح وثناء، فتلك التقية النقية لم تحملها مكانتها ونفسها أن تقع في عرض ضرتها، كما ذكرت عائشة رضي الله عنها أمرا آخر في سياق مدح وإنصاف زينب رضي الله عنها حين ذكرت أن الغيرة غلبت أختها حمنة رضي الله عنها فطفقت تحدث بما يقول الناس، فهلكت مع من هلك! وكأنها تذكر نوعًا آخر من الفضل لزينب رضي الله عنها متمثلًا في صمودها على ورعها رغم انشغال أقرب الناس منها بالخوض فيما قيل. اليوم وأنا أسطر هذه الصورة العظيمة من صور الورع وكف اللسان وإلجام النفس والتجرد من حظوظها، تبدو لي مواقف وصور العدوان والظلم وإطلاق اللسان بلا بينة ولا حق بل ولا حتى سؤال حتى أصبح البعض للأسف لا يطيب له مجلس إلا بذم الآخرين والقدح بهم بل ويلبس هذا لباس الدين والنصيحة!. هذه الصورة الفريدة تتجلى لناظري كلما رأيت ولوغ النساء في الغيبة، وتساهلهن في الحديث عن مشاكلهن مع أهالي أزواجهن أو أخواتهن أو حمواتهن، بلا أدنى ورع، بل البعض منهن تبالغ في التجني إلى حد الكذب والافتراء!. ولست أدري والله، كم يلزمنا لنصحح الحال، ونكون كما كانتا هاتين الطاهرتين، عدل وإنصاف، وحفظ للمعروف، وعرفان وامتنان. اللهم احشرنا في زمرتهن، وأكرمنا بما ألبستهن من حلل الورع والإيمان.