طلب مني أكثر من قارئ الحديث عن عتق الرقبة والمبالغ المهولة التي أصبحت تتداول وتتزايد سنة بعد أخرى حتى بلغت أرقاماً فلكية غير مسبوقة. وقد كتبت عن هذا الموضوع في شهر مارس من عام 2009م، حيث ترددت حينها ومازلت متردداً اليوم في تناول هذه القضية الحساسة. لكن أجد نفسي في غاية الألم مع كل مرة أتابع فيها قضية جديدة يتم فيها المزايدة على قدر مبلغ الدية لتصل إلى أرقام خيالية لا يحكمها منطق ولا تستوي مع ما ينبغي أن يكون عليه العفو من طلب للأجر من الله وحده وليس استنزافًا لعباده دون مراعاة حتى لكرامة القتيل نفسه؟! وقد جاء تنازل الشيخ حمدان محمد آل مجري الشمراني عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى من القصاص. ثم اشتراطه على لجنة إصلاح ذات البين إسقاط الحق العام عن قاتل ابنه، وإرجاعه لعمله، وأن يُكمل القاتل إجراءات تبرعه لخالته بجزء من كبده، جاء هذا التنازل ليبرز جانباً مضيئاً لقضايا الدم التي شوهت سمعتها ما ألحقه البعض بها من شوائب. فقد فتحت هذه المبادرة الباب على مصراعيه للحديث عن منطقية المبالغ المالية التي تطلبها بعض الأطراف لإعتاق رقبة وهل يصح التنازل بطلب مثل هذه المبالغ الكبيرة؟ وقد رأيت أن هناك اتجاها سائداً بين كثير من المعلقين بأن المتاجرة بالدم لا تتوافق مع سماحة الإسلام وحثه علي العفو. وأطلق البعض على "«تويتر» هاشتاق يقول: «لا للمتاجرة بالدم». اتفقت على استنكار أن يصبح القتل «سلعة للتربح منه»، أو أن « يصبح سعر الميت اعلى من سعر الحي !! »، وطالبوا بإيقاف «سماسرة الدم» ، وضرورة تدخل الدولة ووضع حد للمزايدات، فإما أن «يعتق لله أو لا يتجاوز مبلغ تحدده جهات الاختصاص». وقد حان الوقت لدراسة ظاهرة المبالغة في الصلح في قضايا القتل وتحديد جملة من الضوابط لتنظيم عملية جمع المبالغ المالية للصلح في العفو عن القصاص وذلك للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة. وقد قرأت أخيراً أن سمو وزير الداخلية، وبعد حادثة فدية ال«30 مليونا»، وضع سقفا لمبلغ التعويض و هو 500,000 ريال , إما أن يقبل به ذوو القتيل أو ينفذ حد القصاص في القاتل . فدون مثل هذه القرارات تُصبح المتاجرة العلنية بدم القتيل وصمة في جبين المجتمع! o نافذة صغيرة: [لاشك بأن موقف ولي القتيل موقف نبيل و إنساني لأقصى حد و جهود الملك و أمراء المناطق في هذا المجال ظاهرة و محمودة لكن ألاحظ أن الناس تتعاطف مع القتلة و تجار الدم و تتبرع بعشرات الملايين .. وينسون أن من تُجمع لهم عشرات الملايين هم قتلة ثبت قتلهم العمد لضحاياهم وفقاً لأحكام القضاء، وكذلك أن ذوي الضحايا هم تُجار دم باعوا ضحاياهم .. ولا أدري ما هو الحل لهذه التجارة الرائجة؟ ولكن ما أرجوه أن يعكف المختصون والملاصقون لمثل هذه القضايا على دراسة سلوك جميع الأطراف والتوصل لحلول تحد من هذه الممارسات غير الأخلاقية] د. فايز جمال [email protected] [email protected]