"الكهرباء والناس" كان عنواناً لمقال كتبته منذ ما يقارب 33 عاما تناولت فيه قضية انقطاع التيار الكهربائي في كثير من أحياء الرياض التي كانت وقتها مسؤولية شركة كهرباء الرياض، وهي شركة أهلية تعود ملكيتها إلى بعض المستثمرين والتجار، أو رجال الأعمال وفق المُسمي الذي يُطلق على هؤلاء اليوم. وكانت هذه الشركة مثلها مثل عشرات شركات الكهرباء الأهلية الصغيرة ذات الطابع التجاري البحت التي قامت بجهود فردية للأهالي، ووجدت حيث التجمعات السكانية المستقرة في المدن والقرى.وأذكر أن والدي – رحمه الله – كان يمتلك في فترة الأربعينيات الميلادية محطة لإنتاج التيار الكهربائي لحي الكندرة بمدينة جدة، وقد كان الحي حينها من أوائل الأحياء الراقية التي أنشئت خارج سور جدة القديم. وكانت محطة الكهرباء هذه تتكون من مولدين كبيرين للكهرباء يقوم بنفسه، مع بعض العمالة البسيطة، بتشغيلهما وتحصيل القيمة من البيوت والسكان الذين كان يصل إليهم التيار الكهربائي. *** ومنذ تلك الفترة وذلك التاريخ وإلى اليوم شهد قطاع الكهرباء في المملكة قفزات تطويرية كبرى في ظل الدعم المادي والمعنوي الكبير الذي قدمته وتقدمه الدولة للنهوض بهذا المرفق الحيوي الهام. ويصف معالي الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله- ، أول وزير للصناعة والكهرباء، التي تأسست في اليوم الثامن من شهر شوال عام 1395ه بموجب المرسوم الملكي رقم أ/236، أهمية الكهرباء ومدى تغلغلها في الحياة اليومية لكل مواطن بالقول: "المواطن يستطيع أن يعيش أيامًا وأسابيع بدون هاتف، ويستطيع أن يحصل على المياه عند انقطاعها من مصادر بديلة، ويستطيع أن يعيش دون مستشفى حتى يمرض، ويستطيع أن يقود سيارته على طريق غير ممهّدة. ولكن هذا المواطن نفسه لا يستطيع أن يعيش ساعات بدون كهرباء حتى يفقد أعصابه وقدرته على التفكير الهادئ". *** هذه التوطئة أجدها لازمة لتناول قضية انقطاع الكهرباء عن مشتركين في مواقع متفرقة في الفترة الأخيرة الذي اعتذرت عنه الشركة السعودية للكهرباء، كما وأجدها فرصة للترحم علي معالي الأخ والصديق الدكتور غازي القصيبي، وتحية لشخصه الكريم ليس لأن التيار الكهربائي لم ينقطع في عهده، ولكن لأنه كان رجلاً مخلصاً أبدع في كل أمر أنيط به فأداه بشكل غير تقليدي جعله واحدا من القلائل الذين، مهما اختلف البعض معه، يعترف له بالاستثنائية في الأداء والإخلاص فيما أوكل له من مهام. ولا أنسى يوم زرته في مكتبه وشاهدت كم الكتب التي تتحدث عن الصناعة والكهرباء التي كان يعكف على قراءتها، وهو المتخصص في السياسة والعلاقات الدولية ، كي يحيط علما بالمهام التي كُلف بها بشكل علمي سليم يجاري فيه منسوبي وزارته من المتخصصين. فرغم أن منصب الوزير هو منصب سياسي لا يتعلق كثيرا بالتخصص إلا أنه لم يكن يود أن يفوته الأسس الرئيسة للعمل الذي أنيط به. (ولنا عودة) . نافذة صغيرة: [إن تحديد فترة زمنية يتم خلالها إصلاح الخدمات الكهربائية القائمة إصلاحا جذريا شاملا أمر صعب عسير. إن القضاء على الانقطاعات الكهربائية كلية أمر مستحيل في المستقبل المنظور..] غازي القصيبي [email protected]