تذكر كتب السيرة أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله وكنت أغزل، قالت فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورًا قالت : فبُهِتُّ، فنظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالكِ بُهِتِّ ؟ فقلت يا رسول: نظرت إليك فجعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نورًا، فلو رآك أبو كبيرٍ الهذلي لعلم أنك أحقُ بشِعره قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يقول أبو كبير الهذلي يا عائشة ؟ فقالت يقول: ومُبَرَّءٍ من كل غُبَّرَ حيضةٍ *** وفسادِ مرضِعةٍ وداءٍ مُغيِلي وإذا نظرتَ إلى أسِرَّةَ وجهه *** بَرَقَتْ بُروقَ العارِضِ المتهلِّلِ قالت: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان في يده، وقام إليّ فقبّل ما بين عينيَّ وقال: جزاكِ الله يا عائشةَ خيراً، ما سُرِرْتِ مني كسرُوري منك". هذه القصة عند دراسة ثبوتها إسنادياً تصنف في الموضوعات المكذوبة التي ليس لها أصل ثابت من الأسانيد، وقد حكم الألباني رحمه الله تعالى على ذلك في تخريجه لها، وهي وإن لم تكن ثابتة حديثياً إلا أن فيها ملمح إنساني عاطفي جميل وهو الحاجة إلى المديح والثناء من أحد الزوجين للآخر، الأمر الذي يجدد دورة الحياة العاطفية و ينعش المودة بين الشريكين. إن سروره صلى الله عليه وسلم بقول أحد من نساء أهل بيته وقيامه لتقبيلها مكافأة على ما قالت ليست مقصورة على هذا الحديث الضعيف بل ثبت أنه سأل الزهراء رضي الله عنها: ( أي شيء خير للمرأة فقالت: ألا ترى الرجال ولا يروها) فقبلها بين عينيها. إن هذا السلوك النبوي الكريم في الحديث الأول يشعرنا بعظيم الأثر لجمال الكلمات التي لم تكن الأولى في حياته صلى الله عليه وسلم، فقد امتدحه ربه تعالى من فوق سبع سماوات وامتدحه كل من رآه من مؤمن أو كافر وملأ الصحابة رضي الله عنهم مسمعه ثناء ومدحا في أشعارهم! إن الحياة بين الزوجين لها من الخصوصية ما يجعل مذاق كل شيء مختلفاً عما سواه ولنتأمل أن عائشة رضي الله عنها في هذا المقام لم تنظم شعراً خاصًا به صلى الله عليه وسلم جادت به قريحتها، وإنما رأت أنه أحق بوصف قيل في غيره ولم ينقص ذلك من إعجابه صلى الله عليه وسلم بما قالت ولم يعتبره قولاً مكرورًا من سقط الكلام! إن إعجابه بمنقولها ربما فاق إعجابه بقولها إذ رأته أحق بالوصف ممن قيل فيه! إنه الحب والإحساس الذي دفعها أن تتذكر البيت الجميل وتراه في وجه زوجها الحبيب هو وحده ما جعله يسر ويكافئوها بقبله! ولنا أن نتساءل: هل استغنى صلى الله عليه وسلم عن مديح زوجته رغم كثرة المادحين؟ كلا؛ لأنه لا أحد يمكن أن يكون مكانها في القلب، فلتغتنم كل أنثى موقعها وليغتنم كل فارس ميدانه وليطلق كل منهما لسانه بالمديح كما ينطلق عند الغضب والعتاب. وليتعلم الزوجان أن البساطة في القول والمكافأة أدعى لأن يكون الأمر دائمًا وعادة وسلوكاً بين الأزواج، فليس كلُّ إنسان شاعرًا وليس كل مكافأة مادة..