بداية كل عام وهذه الوجوه الطاهرة بخير وسعادة وسلام.. رمضان فرصة لمن فاته بعض الواجبات، وقصر في بعض الحقوق، وأهمل في شيء من الطاعات والنوافل والصدقات، هوفرصة أهم لمراجعة النفس ومحاسبتها، وتذكيرها ولومها على ما تحمل من الأنانية والإفراط في حبها وهواها والتمادي في إشباع رغباتها وما تشتهي وتريد، ذلك أن ضبط النفس موازنة عظمى تحفظ لخط سيرك في الحياة الثبات والاتزان والاستقامة، وهذا الخط الوسطي هو نهج الإسلام، فكما أن عليك واجبات نحو الآخرين؛ فإن لك حقوقًا لديهم، وهذا ما يجعل الكفة متساوية بين جميع الأطراف في المجتمع، وهذا هو العدل الذي باستقامته تستقيم الأمور. في رمضان -إن نلاحظ- تعم الرحمة والتآلف والمحبة، وينتعش الحب والتقارب والمودة، ويغدو الناس أشبه بأهل الجنة، حيث يحجب الغل والتشفي والحسد والشراسة و.. و.. أي الكثير من مصادر الشر. لأن الارتقاء والسمو والعلو في الروح الطاهرة يقارب ويؤلف ما بين الناس ويجعلهم فعلاً إخوة، إذ هذا في الأصل شأن الإسلام بهم.. قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة". إن نظام المساواة والعدل والألفة والتودد والخير دستور شرعه لنا الإسلام، ورمضان يُذكّرنا به كل عام، لنكون كما شبهنا به، إذ نحن كالجسد الواحد إن ألم بأحد أعضائه ألم شاركت معه سائر الأعضاء بالمواساة والمؤازرة، فأخذت مما يعاني وعبُت مما أصابه. رمضان تذكير ومراجعة وتوثيق ومعاينة على ما أصبحنا نحن عليه من بعد ومن خلال سنوات تمضي بنا تحصي من كان على استقامة ومن أصابه بعض الخلل ومن فرط وابتعد واستهان. إننا في وقت عصيب من تقلبات مفزعة أصابت البشر فمنهم من تجذبه تيارات من الشر والفساد، ومنهم من تحتويه رحمة الله بتداعيات من الخير والصلاح، ذلكم أخوتي حسبما بداخل الإنسان من جوهر ومعتقد فأما من هو على عقيدة سليمة صادقة فقد نجا بحول الله، وبعضهم من هو دون ذلك فيصيبه الخلل والبعض ما دون الدون فيهلك والعياذ بالله. طوبى لمن انتصر بالخير ونافح عن الحق في نفسه أولاً ثم في نفسه ثانياً ثم مع الجميع ثالثاً، طوبى لمن أوجد السلام وعاشه في نفسه ثم مع غيره وكل من حوله، فالكسب الحقيقي سلم تعيشه وتعايشه وتعيش معه.