(1) لا أحد يعلم على وجه الدقة في تلك القرية العربية ، كيف بدأت الفكرة ، ومن الذي تقدم بالاقتراح ؟... فالحكاية تقول : أن الجماعة هناك قررت أن تبني " تمثالها " الخاص ، فكل القرى حولهم لهم تماثيلهم .. ولا بد أن يصنعوا تمثالاً لا شبيه له بين التماثيل . قال كبار السن في القرية : على كل شخص أن يأتي بما يستطيعه من " المواد " لكي نصنع التمثال .. هذا أتى بالرمل ، وذاك أتى بأحلامه ، وثالث أتى بأغصان الشجر ، وآخر أتى بآلامه، وخامس أتى بضوء سراجه ، وهناك من تبرع بحكمته ... وتعددت المواد : رغيف خبز يابس، عصا ، حليب البقرة الوحيدة ، ما تبقى من رمح مكسور ، بيتٌ شعر لا يُعرف صاحبه ... وعندما اجتمعت المواد التي سيصنع منها تمثالهم ، قال أحد كبار السن : لا بد من الماء لنخلطها ونعجنها .. هنا ، قال حكيم القرية : لا بد أن يكون الماء من النوع الطاهر النادر ! قال الجمع : ومن أين نأتي به ؟ قال الحكيم : ماء العيون / الدمع ، وماء الجسد / العرق . وبدأت الأمهات بالبكاء ، وبدأ الآباء يعملون بكد ليستخرجوا عَرق أجسادهم .. حتى توفرت الكمية المناسبة لخلط المواد... وصنعوا التمثال الذي لا شبيه له بين التماثيل. (2) مع مرور الوقت : صاروا يهتمون بشكل التمثال وصورته ، ونسوا المادة التي تشكّل منها . اهتموا بشكله الخارجي / السطحي ، ونسوا العمق وما فيه . بعد فترة من الزمن ، ومع تعاقب الأجيال : صار للتمثال حُرّاس يستفيدون من دخله الذي تجلبه الزيارة والتبرّك حوله . وظهرت فئة أخرى ، صارت تعرضه " سياحياً " للغرباء . وتشكّلت جماعة لها الحق وحدها في حمايته وكتابة تاريخه . وآخرون صارت قيمتهم من قيمته ، وأهميتهم من أهميته. (3) ذات فجرٍ ، قام من نومه الصبي المشاغب ( والذي حُبس مرتين لأنه يثرثر بالكلمات الممنوعة ) وتسلل نحو ساحة المدينة - التي كانت قرية - وكان بيده فأس .. صوّبه نحو التمثال ليتناثر إلى أربع قطع ... ومن يومها والأحلام والعرق والدموع والضحكات والحكمة والضوء والآلام تتجول في شوارع المدينة . أما الصبي المشاغب ، فاختلف الرواة حول مصيره .. أغلب الرواة يقولون : إنه منذ تلك اللحظة ، وإلى هذا اليوم ، ولعنات أهل الأرض والسماء تطارده . وهناك رواية يتيمة - لا تجد من يؤكدها - تقول : إنه في اليوم التالي ، وفي موقع التمثال القديم ، انتصب تمثال جديد ، يحمل نفس الملامح المشاكسة للصبي المشاغب ! [email protected]