السائلة (تألق): هل (أل) في قوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين) تدلّ على العهد؟ فيكون المقصود الصحابة -رضي الله عنهم- أم تدلّ على الاستغراق فيدخل الصحابة -رضي الله عنهم- من باب أولى؟ الفتوى 55: (أل) الدّاخلة على الجمع، مثل (أل) الداخلة على المفرد، في العهد، والحقيقة، والاستغراق، وفي كونها موصولة إلاّ في فروق يسيرة، وبين النحاة نزاع عريض في بعض أنواعها، فمنها ما لا يراد به العموم، ولا الحقيقة، ولا فرد بعينه، بل يراد به فرد واحد غير معين، كقوله سبحانه (وأخاف أن يأكله الذئب) [يوسف: 13]. و(أل) في قوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين) [النساء: 115]، يصح أن تكون موصولة، أو معرِّفة عهدية جنسية، أو استغراقية؛ لأن سبيلهم واحد، وأيًّا ما كانت فلا ثمرة للخلاف فيها فيما أرى؛ لأنّ الله جل وعلا لم يقل: (ويتبع غير المؤمنين)، بل قال: (ويتبع غير سبيل المؤمنين)، وسبيل المؤمنين هو الإسلام، وهو الصراط المستقيم، وهو الهدى الذي قال الله فيه: (فمن اتبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى) [طه: 123]، فيصير معناه: ويتبع غير الإسلام، أو: ويتبع غير الهدى، وأضيف إلى المؤمنين؛ لأنه طريقهم، ويشمل كل مؤمن، سواءٌ كان من الصحابة أو من بعدهم، ومن أخطأ منهم لم يخرج عن مسمّى الإيمان ولكنه ضل السَّبيل، وغيره مأمور باتباع السبيل، واتباع من سار عليه، إذ من شأن السائر عليه أن لا يضل، ومن ثم كان الاستدلال بهذه الآية على الإجماع ضعيفًا لدى كثير من المحققين، ولكنهم لم يذكروا -فيما أعلم- هذا القادح، وذكروا شيئًا آخر في الآية، وهو اقتران اتباع غير سبيل المؤمنين بمشاققة الله ورسوله، فالوعيد في الأصل هو على مَن نازع الله ورسوله، واتباع سبيل المجرمين من المشاققة، وعطف عليه كما يعطف البعض على الكل، والخاص على العام، كقوله تعالى: (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحًا) [التغابن: 9]، والعمل الصالح إيمان تطبيقيّ .. ولنعد إلى (أل) في (المؤمنين)، فنقول: القرآن حمّال أوجه، والاحتمالات كلّها مقبولة تبعًا لصحة المعنى، إذ يمكن أن يكون المراد كلَّ المؤمنين، أو حقيقتهم، أو المعهودين حضورًا، أو علمًا، فتكون للاستغراق، أو للجنس، أو للعهد الحضوري، أو الذهني، ولا أثر لذلك كما تقدم، والذي منع الأثر كونه مضافًا إليه، ومعمول الاتباع هو المضاف، وليس فيه مفهوم مخالفة إذا لم نقل بالاستغراق ؛ لأن السبيل واحد، وسبيل أبي بكر هو سبيل عمر، وصالح المؤمنين .. وشرح ذلك يطول.