لا تقارن أيًا من إنجازات دورة استوكهولم عام 1912 مع قصة الأمريكي جيم ثورب الفائز بمسابقتي الخماسية والعشارية، القصة التي أرخت تداعياتها وتبعاتها على الألعاب... ولا تزال. إنها «الدراما» التي أعقبت الانتصار الاستثنائي، ولا تزال الحجارة القرميدية في جدران الاستاد الملكي وأشجار اللبلاب التي تظللها تتذكره.. وكلمات الملك غوستاف في يوم تتويج الفائزين التي وجهها إليه «سيدي أنت أعظم رياضي في العالم»، وهي محفورة على قبره. لكن يبدو أن مشكلة ثورب الأساسية هي مع الشهرة. وهي عدوته من دون شك وجالبة الأذية له. فبعد أشهر معدودة من «المجد الأولمبي»، أوقف ثورب وجرد من ذهبيته بداعي الاحتراف وبعدما ثبت أنه تقاضى 25 دولارًا ليلعب مع فريق بيسبول في كارولينا الشمالية. واعيد الاعتبار إلى ثورب رسميًا في 23 اكتوبر 1982، وقدم رئيس اللجنة الاولمبية الدولية آنذاك الاسباني خوان انطونيو سامارانش الميداليتين لأولاده في 18 (يناير) 1983، ثم كرم على هامش دورة لوس انجليس عام 1984. وصادف ذلك بعد 31 عامًا على وفاته المأساوية بنوبة قلبية (28 مارس 1953). كان ثورب (84ر1م و80 كلغ) نموذجًا صارخًا للبطل المثالي، ولم تخطئ الاستطلاعات الدولية التي اختارته «أفضل رياضي في النصف الأول من القرن العشرين». في منافسات ستوكهولم الأولمبية حصد ثورب بتصميم وهدوء وأعصاب باردة «قتلت خصومه» 8412 نقطة في المسابقة العشارية في مقابل 7724 نقطة للسويدي هوغو وايسلاندر (حامل الرقم القياسي العالمي البالغ 7244 ن)، وجاءت أرقامه كلها «خرافية» إذا صح التعبير، فمثلا تفوق بسنتيمتر في الوثب العالي على الرقم الذي فاز به بوب ماتياس في المسابقة خلال دورة لندن 1948، وأكمل سباق ال 1500 م، بزمن أقل بتسع ثوان من الذي فاز به رافر جونسون في منافسات دورة روما 1960. وعمومًا نافس ثورب في 17 لعبة، فإلى الفوز العشارية والخماسية حل رابعًا في الوثب العالي (87ر1م) وسابعًا في الوثب الطويل (89ر6م)، ولم تسمح له برمجة المسابقات في خوض سباقات الحواجز. ولد ثورب في 27 مايو 1886 في اوكلاهوما في محمية ساكس اند فوكس الهندية. لكن عرقه ممزوج بدم فرنسي - أيرلندي من أمه.. وانتهى مدمن كحول ومقامر. ومن بطل يتلقى تهنئة الرئيس الأمريكي روزفلت بعيد انتصاره ويقام استعراض على شرفه والأبطال الامريكيين الآخرين في الجادة الخامسة في نيويورك بعد العودة من استوكهولم، تحول ثورب إلى منبوذ بعد الخبر الذي نشرته صحيفة في كونتيكات عن «احترافه»... وأصبح لاحقا لاعبا في نيويورك جاينت وسنسيتي ردز (1919)، وزاول كرة قدم الامريكية بين 1915 و 1928 في اندية عدة منها بولدوغز كونتون (اوهايو). كما تولى منصب رئيس رابطة اللاعبين المحترفين... وفعل السهر والكحول فعلهما في جسده وأنهكا صحته وتوفي عن ستة وستين عامًا. ترعرع ثورب في بلدة مونش شونغ التي عرفت ازدهارها بدءًا من منتصف القرن التاسع عشر، وسميت باسمه بعد نجاحه الأولمبي، وشيد له فيها ضريح ضخم من 20 طنا من حجر الغرانيت الزهري، وحفرت عليه صور تمثله وهو يرمي القرص ويدفع الجلة ويسابق في الحواجز، إضافة إلى ما قاله له الملك غوستاف. وثورب هو أيضًا «الرجل البرونزي» أي عنوان الفيلم الوثائقي الذي أعده مايكل كورتيس وتناول قصة حياته، من بطولة غريغ دوغلاس.