سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تركيا.. بين فراغ العرب وامتلاء الغرب! هل من مبرر أن تقود تركيا -وليس العرب- حراكا عسكريا وتحريريا في ارض عربية دون أن يكون العرب هم السباقون في هذا التحرك؟
حملت الأيام الأخيرة توترات شتى في الإقليم السوري، فمع تصاعد عمليات القتل ضد المتظاهرين ومن يسميهم النظام بالمسلحين، تحولت المعركة الى تركيا هذه المرة، وجاء تهديد اردوغان قوي اللهجة ضد النظام السوري واصفا الرئيس الأسد بالدكتاتور الدموي! ولا يهمنا هنا أن نبحث بهذا التصريح بمعزل عن سياقه الأساسي، بل يهمنا تحليل الموقف التركي على ضوء الأزمة التي تحتقن بها منطقتنا العربية: فهل تحرك اردوغان لوحده؟ أم أن تحركه جاء ضمن توجه غربي أكثر شمولية من موقف تركيا بمفردها؟ الناظر لموقف تركيا يجده منسجما مع الاجندات الغربية في المنطقة، ويجده متوازيا مع تطلعات كبراء الساسة الغربيين نحو رؤيتهم الاستراتيجية بإزاء ما يحدث في الشرق الاوسط، لكن هذا الالتقاء في المسار لا يجب أن يدفعنا إلى تبني نظرة متسرعة تجاه تركيا بوصفها مجرد تابع للأجندة الغربية، بل على العكس من هذا كله: فإن دور تركيا أكثر استقلالية مما يتصوره البعض، وهي ستجير كل طموحات الغرب لصالحها بالنهاية! والسبب خلف ذلك هو أن المنطقة العربية تخلو من اللاعب الإقليمي الأساسي، وتفتقر للتنظيم وشحذ القوى القومية للتصدي للأخطار الداخلية والخارجية على السواء: وهو ما يمهد لتركيا الاضطلاع بدور حساس ومحوري في عملية تحرير سوريا من جزارها الأكبر، ومحاولة تقديم نموذج اسلامي مستنير يخالف التجمعات الماضوية في العالم العربي والتي لا تواكب تطور السياسة ضمن نطاقها الحالي. إن تركيا الان وبقيادة اردوغان تعود، لكنها ليست عودة عثمانية استعمارية بالطبع، وليست قطيعة كمالية مع عالم العرب: إنما هي عودة من يسد الفراغ السياسي بعد أن ترك العرب أنفسهم لقمة سائغة بأفواه غيرهم: وكتابة هذا المقال تتزامن مع التوتر الكبير بين تصريحات اردوغان من جهة وسوريا من جهة أخرى، ولا نعلم على وجه اليقين إلى أين ستنتهي هذه التصريحات المتبادلة، لكن لهجة اردوغان ومعها قوى الغرب لا تنم عن حالة هدوء على الإطلاق. ومن ثم فعلى العرب أن يسألوا أنفسهم: هل من مبرر أن تقود تركيا -وليس العرب- حراكا عسكريا وتحريريا في ارض عربية دون أن يكون العرب هم السباقون في هذا التحرك؟ وهل ستكون تركيا كالغرب مجرد غاز مستبد بحجة الدفاع عن ارضه أو سمائه؟ وهل سيكون ثمن السكوت العربي اقتطاع اجزاء من سوريا لمصلحة قوى أخرى؟ أم أن تركيا والغرب سيكونون أرحم من العرب تجاه بعضهم؟ [email protected]