تحدّى العلم الحديث معنى بيت الشعر المعروف: "فما أطال النوم عمرًا ولا / قصّر في الأعمار طول السهر"، فقد أثبتت كثير من الدراسات العلمية أهمية النوم السليم للصحة، وارتفاع خطر الإصابة باضطرابات عضوية وأمراض مزمنة خطيرة، جرّاء الحرمان المزمن من عدد ساعات النوم المطلوبة، وانتشار ثقافة السهر، واختلال ساعات النوم والاستيقاظ، فضلا عن تواتر بعض الدراسات التي ربطت طول السهر وقلة النوم، بزيادة نسبة الوفيات، وتلك التي ربطت فرط النوم وزيادة النعاس أثناء النهار، باحتمال الوفاة المبكرة. وفي المقابل، يتمتع معظم الأشخاص أصحاب النوم السليم، و أوقات النوم والاستيقاظ المنتظمة، بصحة بدنية ونفسية أفضل من غيرهم، ويتحصّلون بشكل عام على درجات علمية وأكاديمية أعلى، نتيجة انعكاس فوائد نومهم الجيد، على أمزجتهم ونفسياتهم وسلوكياتهم. ولا أدَلّ على نعمة النوم الصحي، من شكوى من ابتُلي بمشكلة الأرق الحاد أو المزمن، وتداعيات ذلك على حياته الاجتماعية وأحواله النفسية، واضطراره إلى "عدّ النجوم" والناس نيام، وقضائه الساعات متقلبا على فراش الحرمان، محاولا خطب ودّ نومٍ عصيّ على عينيه، واستجداء أوقات يفقد فيها شعوره بما حوله، ويتوارى فيها عن مشكلاته وهمومه، ويجول في أجواء أحلام وردية، تتجدد معها طاقات جسده وقوى نفسه، فكم من مكروب نام يبكي، وانفرجت أساريره عند الصباح، وكم من مريض بات يشكو وصحا بعافية وسلام، وكم من مشغول فِكْر أغمض عينيه ليلا، ليصحو بصفاء نفس ورأي سديد. من رحمة الله تعالى، أن منّ بالنعاس على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة الأحزاب، أَمَنةً منه، وأنزل السبات على أصحاب الكهف، يُقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال، ليسريَ الدم في عروقهم، ويجنّبهم القروحات، وأنعم به على مخلوقاته كلّها، فالنوم آية دورية، ومعجزة يومية، وحق للبدن، وهو موتة صُغرى، ورحمة كُبرى، يرحم الله به عباده الضعفاء، يُريح به أبدانهم، ويجبر به خواطرهم، ويسعد به نفوسهم، ويستحثهم به على معاش النهار، وكسب الحلال، فالحمد لله على نعمته، وله الشكر على رحمته، فالنّوم خير لهم، لو كانوا يعلمون. [email protected]