وحين ننظرُ في أنواع الخرافات وأشكالها سنجد أن الشرك بالله عز وجل هو جرثومةُ الخرافة وأساسها ومعدنها الأصيل نوع من أنواع التفكير يؤدي إلى انحراف في العقيدة، ويفضي إلى الشعور بالقلق والتوتر والخوف المرعب، ويقضي على صفاء العقل ووضوح التفكير ويعطل المعاني السامية التي أمر الشرعُ الحنيفُ المسلمين التحليَ بها، وفي كثير من الأحيان تنتهي الأحوال والظروف بهذا النوع من التفكير إلى نشوء صراعات وخصومات بين أفراد المجتمع وذلك حينما يتبادلون التهم بسببه، فكم من قتيل كان من ضحاياه، وكم من مال أضيع وأهدر بسببه، وكم من أمراض نفسية أنشبت أظفارَها في نفوس بسيطة متواضعة من جرائه، وحين نتأملُ كثيراً من المآسي نراه يقف خلفها بكل وضوح، إنه التفكير الخرافي. والأصل في كلمة خرافة في لغة العرب تعود إلى قصة رجل افتقده أهلُه مدة من الزمن َثم بَعْدَ رُجُوعِهِ أخبرهم أنه كان عند قوم من الْجِنِّ، ثم أخذ يحدثُ أَصْحَابَه أَشْيَاءَ عنْهُمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَكَانُوا لَا يَقِفُونَ عَلَى صِحَّتِهَا فَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا حَدِيثُ خُرَافَةَ، وَصَارَ هَذَا مَثَلًا يُضْرَبُ عِنْدَ سَمَاعِ مَا لَا يُعْرَفُ صِحَّتُهُ. ونقصد بالتفكير الخرافي: ذلك النوع من التفكير الذي يعتمد على أفكار وممارسات وعادات عقلية لا تستند إلى دليل صحيح صريح من النقل أو العقل. فالتفكير الخرافي هو كل تفكير يعتمد في تعليله أو تفسيره للأحداث والظواهر على أمور مخالفة لصحيح العلم الشرعي أو على أمور تتصادم مع الثابتِ من علوم الطب والهندسة والتقنية وغيرها من العلوم التجريبية، إذ من المتفق عليه عند علماء الشريعة أن صحيح النقل لا يتعارض مع صريح العقل. ولا يشُكُ مسلمٌ قرأ كتابَ الله عز وجل ونظر في السنة النبوية المطهرة أن التفكير الخرافي بكل أشكاله وصوره مضادٌ ومخالفٌ لحقيقة الإسلام ومنهجه الفكري، قال تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). والآيات والأحاديث المؤكدة لهذه الحقيقة كثيرة جداً وسنأتي على ذكر بعضها إن شاء الله تعالى عند الكلام عن صور التفكير الخرافي التي حاربها الإسلام. وحين ننظرُ في أنواع الخرافات وأشكالها سنجد أن الشرك بالله عز وجل هو جرثومةُ الخرافة وأساسها ومعدنها الأصيل، بل هو أصلُ كُلِ فساد، إن الشرك عاهةٌ من عاهات الفكر البشري قبل كل شيء، إنه انحراف في التصور، وخلل في العقل المستقيم الصحيح، و القرآن الكريم يشير إلى أن الشرك بالله عزوجل هو تعطيل للعقل والفهم والإدراك، (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ). ولا غرو إذن أن يكون الشركُ بالله تعالى أكبرَ الكبائر في المنظور الإسلامي، قال الخالق عزوجل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيمًا)، وقال سبحانه وتعالى: ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، و َفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ" وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ.. الحديث". والسببُ في أن الشركَ بالله تعالى أكبرُ الكبائر، يرجع إلى أنه ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض، وحجب متلاطمة، لا يقِر لها قرار، فهو يجعل الإنسانَ عبدًا للمخلوق، كما أن الشركَ يقلِبُ الأوضاع، فيجعلُ الحقَ باطلاً، والباطلَ حقًا، ويجعلُ الخالقَ مخلوقًا، والمخلوقَ خالقاً، إنه أعظمُ الظلم، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). ولا يَشُكُ عاقلٌ أن عقيدةَ التوحيد تجلو الفكرَ من غبش الوهم والخرافة، ولا يرتابُ منصفٌ أن منهجيةَ التفكير عندما تتأسسُ على عقيدة التوحيد الصافية الخالصة تكونُ مصدرَ إشعاع يضيئ جوانبَ الحياة العقلية والاجتماعية فتتطهر من الأوهام والخرافات، ويرتفع شأنُ الإنسان وتسمو قيمتُه بما يصير إليه من الكرامة، بحيث لا يخضعُ لأحد إلاَّ لخالق السموات والأرض. أمّا التفكير الخرافي فيضرب بقيوده على حرية العقل فيفضي إلى تكبيله وإعاقته، فيصير أسيراً لقبر أو حجر أو شجر أو كوكب، فلا يستطيع أن يتخذ قراراً أو يعالجَ مشكلة أو يرسمَ خُطة مستقبلية إلا بخضوع لوسيط أو شفيع، وربما باستشارة كاهن أو عراف أو مدعي ولاية من ممتهني الكذب والبهتان، ويظن صاحبُ التفكير الخرافي أن نجاته وسعادته ونجاحه بيد هؤلاء، وهو بهذا يرتهنُ تفكيرَه ويحبسُ عقلَه عند زمرة من المحتالين والدجالين والمشعوذين. صفوة القول لن يحقق الإنسان حريته الكاملة إلاّ عندما يطهر أفكاره من الخرافات.