ولا سبيل للتعامل الملائم مع المشكلات العملية المتكررة، في عصرٍ متغيرٍ سريع، إلا بتسليح أبناء الأمة، بطرق التفكيرِ وأساليبه أصبح تعليم التفكيرِ، من القضايا المهمة جدًا في عالَمِنا، لأن عصرنا اليومِ، يوصف بأنه عصر انفجارِ المعلومات، وثورة الاتصالاتِ الإعلامية، وعولمة الثقافة، ومن المشاهد والمحسوس، أنه ينتج عن ذلك كلِّه تغيرات تتسِم بالسرعة المربكة، على المستوى التقني والاقتصادي والاجتماعي، مما يستوجب أن يكون المسلم قادرًا على مواجهة تلك التحديات بقوة المؤمن الواثق، الذي يسعى لعزةِ أمته وحماية نفسه، دينيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ولا سبيل للتعامل الملائم مع المشكلات العملية المتكررة، في عصرٍ متغيرٍ سريع، إلا بتسليح أبناء الأمة، بطرق التفكيرِ وأساليبه ومهاراته المختلفة من منظور إسلامي. وبلا شك أنه نتج أيضًا عن تلك التغيرات المتلاحقة السريعة، ظهور الشبهات العقدية، والأباطيل الفكرية، وتمكن أهل الاتجاهات المنحرفة من بعضِ الوسائل، فبثوا سمومهم وأراجيفهم في كل مكان، فأصبح المسلم يتعرض لسيل جارف من المشكلات العلمية، بسبب الشبهات المضلة، والإشاعات الكاذبة، التي أضحت تقتحم عليه البيت والمدرسةَ والجامعةَ ومكان العمل، تَهدف إلى تشكيكه في أصول اعتقاده وثوابت دينه، ومن أنجعِ الحلول لمواجهة ذلك الغزو الثقافي الشرس، أن نحمي أفراد مجتمعنا بإشاعة قواعد التفكير الإسلامي المستقيم، وأصوله المنضبطة، وندربهم على النقاش والحوار، لتزداد ثقتهم في ثوابتهم، وفي أنفسهم، وتحصل بحول الله وقوته المناعة الذاتية، والحصانةُ الشخصية، ويتحقق بإذن الله الأمن الفكري المنشود. يقول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في كتابه الممتع النفيس الصغيرِ في حجمه الكبيرِ في مضامينه المسمى ب "كشفِ الشبهات": (وقد يكون لأعداءِ التوحيدِ، علوم كثيرة، وكتب، وحجج، كما قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ)، إذا عرفتَ ذلكَ، وعرفتَ أن الطريقَ إلى اللهِ لابدَّ له من أعداءَ قاعدينَ عليه، أهلِ فصاحةٍ، وعلمٍ، وحججٍ، فالواجبُ عليكَ أن تعلمَ من دينِ اللهِ ما يصيرُ سلاحًا تقاتلُ به هؤلاء الشياطين... والعاميُ من الموحدين، يغلبُ ألفًا من علماء المشركين كما قال تعالى: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، فجندُ اللهِ همُ الغالبونَ بالحجةِ واللسان، كما أنهم الغالبونَ بالسيفِ والسِنان، وإنما الخوفُ على الموحدِ، الذي يسلكُ الطريقَ، وليسَ معه سلاحٌ). ويظن كثيرون أن التفكير فطري، يمارسه الإنسان بصورة تلقائية، وما دام الأمر كذلك، فلا حاجة إلى تعلم التفكير ومهاراته؟ وللإجابة عن هذا الاعتراض نقول:: من تفحص في أسباب ضلال أهل الأهواء والبِدع كالخوارج والمرجئة والقدرية وغيرِهم من المنحرفين قديمًا وحديثًا، سيرى أن من أهم أسبابِ ذلك أخذهم ببعض النصوص الشرعية وإهمالَهم لغيرِها، مما يدل على خلل في منهجية التفكير والاستدلال عندهم. وأمر آخر يدل أن الاعتراض السابق ليس بصحيح، هو ما نراه من كثرةِ أخطاء التفكير التي يقع الناس فيها كما هو ملاحظ ومشاهد، مما يوجب أن يحذر الإنسان منها حتى يبتعد عنها. كذلك مما يرد به على الاعتراض الآنف، أن كل إنسان لديه ميل قوي للتصديق السريع بما يقال له. والشواهد على ذلك ليست بالقليلة، ودواء هذه الآفة، هو التعود والتدرب على أصول التفكير الصحيح. وأيضًا فإن التفكيَر السليم، يتطلب تنظيمًا وترتيبًا وحدودًا، مما يجعله صعبًا على النفس؛ لكونه على خلافِ هواها، فالإنسان يميل بطبعه للسهولة والراحة، والبعد عن كل ما هو متعب، وهذا مما يؤكد على ضرورة أن يُعلّمَ التفكير. كذلك فنحن في عصرنا هذا نواجَهُ بكمٍ هائلٍ من المعلومات النافعة المتدفقة في كلِ يوم، وإذا لم نستوعبْها بطريقة منظمة وعلمية، فلن نتمكن من الاستفادة من هذه المعلومات الجيدة بالصورة المثلى. ثم ان التفكيرَ، مع التسليم بكونه فطريًا في بعض نواحيه، فهذا لا يغني عن اكتساب مهاراته، لأننا نقوم بعمليات تلقائية كثيرة، ومع ذلك فنحن بحاجة إلى تعلمها كقيادة السيارة والطباعة على الحاسب الآلي وتعلم مهارات الألعاب الرياضية.