وأنا أعيشُ محنتي المرضية، التي ابتليتُ بها، صابرًا مؤمنًا بقضاء الله وقدره، فرحًا مستبشرًا بابتلائه، محفّزًا نفسي، وبنيَّ على الصبر؛ حتى لا يضيع الأجر الذي وعد الله به الصابرين، تفاقمت عليَّ بعضُ الاتّصالات التي تستشرفُ رأيي في المشاركة بالنقاش في عددٍ من المواضيع الثقافية المطروحة على الساحة، فكان أن اتّصل بي رئيس تحرير برنامج الثقافة اليوم العزيز وائل المالكي؛ ليأخذ رأيي في موضوع حلقتنا لمساء الثلاثاء الفائت، عارضًا أن تتمحور بالنقاش حول دور الجمعية السعودية للثقافة والفنون، ثم ما لبث أن اتّصل بي الأخ محمد التميمي من قناة الدانة، عارضًا أن أكون ضيفهم للنقاش حول هوية المثقف السعودي، وكان اعتذاري عزيزًا عليَّ لظروف تنويمي بالمشفى العسكري لعارض صحي، أسأل الله أن يتمم لي الشفاء، ولجميع المرضى بحوله وقوته. ولعلَّ مردَّ حرصي السالف لكوني -ومنذ أن ابتدأتُ بالعمل لرصد الحالة الثقافية لمدينة جدة لمصلحة موسوعة جدة العلمية- قد وقفت على دقائق تفصيلية لشخصيات ثقافية رائدة، تستحق أن تخلد أسماءها، ويُحفر نتاجها في أذهان أبنائنا بشكل أفضل ممّا هو عليه الأمر الآن، ولضيق المساحة أرى بأن أذكِّر نفسي ورفقاء دربي وأبنائي بإحدى الشخصيات الثقافية الكبيرة بأخلاقها، وجلدها، وحرصها، وعمق معرفتها، وحبّها الشديد للعمل دون تململ، أو إظهار للعُجْب، شخصية ناضلت نضال عظماء التاريخ لتصنع لنفسها شيئًا تحترم ذاتها به، قبل أن يحترمها الآخرون ويقدروها، إنه الأستاذ الأديب والعالم المفضال عبدالفتاح أبومدين، ذلك الفارس الذي ترجّل ليرقب ويتابع بصمت العارفين، وخشوع الفلاسفة المتبتلين، ودون أن يثير أي ضجيج هنا أو هناك. كم كان مبلغ انبهاري وأنا أقرأ متأخرًا سيرته الذاتية «الفتى مفتاح»، وسيرته الصحافية «وتلك الأيام»، وسيرته الثقافية «أيامي في النادي» الذي قدِّر لي أن أتمَّه وأنا أعيش لحظات صبري خلال فترة بقائي بالمشفى، متنقلاً بينه وبين أعظم كتاب، وأرق صحيفة، وأجمل لفظ، وأزكى معنى، وهو قول ربي جل جلاله وكتابه المحكم الكريم. أقول تمنيتُ لو كنتُ بصحتي لأخرج وأحكي لمَن يستمع إليَّ قصة نجاح وكفاح إنسان، بل نموذج ما نرغب به من مثقف سعودي نفتخر به، وندعو لتأمل سيرته. وكم هي دعوتي صادقة لأن تجد مثل هذه السير لجيل الروّاد طريقها لتترجم أفلامًا سينمائية جديرة بالمتابعة والاقتداء. أخيرًا دعوني أنقل لكم وصف ناقد كبير لشخصيتنا النموذج، حيث يقول د. السريحي: «في أبي مدين شيء من ذائقة طه حسين، وصلابة العقاد، وعنفوان زكي مبارك، وهو صاحب الرؤية المتجاوزة في النقد». أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت لأولئك المتحذلقين ومَن لفّ لفّهم من النخب المزوّرة. [email protected]