لا يتعارض الشعور بالانتماء أو حتى الولاء للهويات الصغرى، مع الانتماء للهويات الكبرى، كالهوية الوطنية، والهوية القومية، والهوية الإسلامية، بل والهوية الإنسانية أيضًا. بإمكان المرء أن يكون سنيًّا ووطنيًّا، وبإمكانه أن يكون شيعيًّا وقوميًّا، وبإمكان الاثنين أن يكونا إسلاميين وإنسانيين ما دام كل واحد منهما يؤمن بأنه شريك للآخر. وبالقطع فإن ما ينطبق على السني والشيعي، ينطبق أيضًا على الزيدي، والإسماعيلي، والعلوي. أمّا غير المسلمين وبالتحديد المسيحيين، فيمكنهم أن يكونوا وطنيين، وعروبيين مع احتفاظهم بإيمانهم المسيحي. ولمن لا يعرف ذلك، فعليه مراجعة تاريخ الحركة الوطنية في كل من مصر، وبلاد الشام، حيث اشترك المسيحيون إلى جانب المسلمين في قتال المستعمر الأجنبي، ليس فقط خلال العصر الحديث وإنما منذ زمن الحملات الصليبية نفسها. الهويات الصغرى في حد ذاتها لا تشكّل خطرًا على الهوية الكبرى بقدر ما ترفدها بالتنوع، وتضفي عليها طابع التعدد الخلاق. وليس أدل على ذلك من المساهمة الفاعلة من كل الطوائف العربية والإسلامية، في كل الآثار التراثية العظيمة التي غطت معظم ميادين وجوانب المعرفة، كالأدب والعلوم والفلسفة. الهويات الصغرى لا تُشكِّل أي تهديد على الهوية الكبرى، إلاّ في حالة واحدة فقط، هي أن تحل الهوية الصغرى محل الهوية الكبرى، حيث يكتفي المنتمون إليها بالشعور بمظاهر الولاء لها على حساب الولاء للهوية الكبرى. وهكذا يصبح السنّي سنيًّا فقط، والشيعي شيعيًّا فقط، والزيدي زيديًّا فقط... وكذلك الحال بالنسبة للإسماعيلي، والعلوي، والدرزي، والصابئي، واليزيدي. إن أزمة الهوية التي يعيشها العالم العربي منذ أن أعلن الرئيس السادات انحيازه للمشروع الأمريكي، هي المسؤولة عن انتشار الظاهرة الطائفية بالشكل الذي بات يهدد مفهوم الوحدة الوطنية في كثير من بلاد الوطن العربي. وما لم يدرك العرب خطورة الأزمة التي تتعرض لها هويتهم القومية، وما لم يعملوا على بعث الروح من جديد في الانتماء القومي، فإنهم سيسهّلون على الأمريكيين تنفيذ مخططهم لإيجاد ما يسمّى بالفوضى الخلاّقة التي ستغرق المنطقة بسببها في حروب طائفية تؤدي إلى تقسيم ما هو مقسم من الأصل. لا بوصلة بلا هوية. [email protected]