أكتبُ إليكم قصةَ امرأةٍ مطلّقةٍ لها ابنةٌ ابتلاها الله بإعاقةٍ عقليةٍ. بعض الدراسات تشيرُ بأن نسبة الطلاق في الأسر التي لها أطفال معاقون تصل إلى 80- 90%. وعندما لا يكون للمرأة سلاح وهو العلم، وإن لم يكن لديها مَن يعولها، فإنها تبقى في خيوط الإحباط، أو الفقر، والحاجة، والعوز. معاناة هذه المرأة وهي من المدينةالمنورة تُمثِّل معاناة 300,000 أم في مدينة جدة فقط، حسب مصدر في منظمة الصحة العالمية. طليقها وضعه المادي جيد، ومع ذلك لا ينفق عليها. تستلم الأم الإعانة المالية من الضمان الاجتماعي 850 ريالاً -على حد قولها- لكنها لا تفي بمتطلبات الحياة، وتكاليف المعيشة في ظل غلاء الأسعار، وتكلفة السكن والمواصلات، والرعاية النهارية غير متوفرة لفوق ال18 عامًا. فعندما تكون فتاة في سن الورد، مرفوع عنها القلم، مريضة عقليًّا، تطاردها الضلالات السمعية، والفكرية، والبصرية؛ ممّا يجعلها في عزلة اجتماعية، ويجعل حياة والدتها جحيمًا بسبب حالات الهياج والعنف، فتريد المعاقة أن تخرج، وتشتري، وتتسوق، وتتفسح، وتتريض مثلها مثل أقرانها من الأسوياء. ولكنها تمثل عبئًا اقتصاديًّا مضاعفًا على والدتها المطلقة، التي ليس لها عائل، حتى على أهل الأم فهم متضجرون من وضعها الذي تخلّى فيه الأب عن مسؤولياته. تبكي الأم لأنها في نار التضحية بحياتها، ولأنها تعلم أنه لن يستطيع أحد في هذا العالم أن يعتني بابنتها المعاقة عقليًّا بنفس الحب والحنان عندما يتقدم بها العمر. اعترفت لي الأم -وهي في الخمسين من عمرها- بأنه عندما تصيب الابنة حالات الهياج والعنف من الإحباط واليأس، تعتدي على أمها بالضرب، وتشد شعر أمّها، فتنهال عليها الأم بالضرب، ويضربنّ بعضهنّ البعض، ثم ما يلبثن أن يبكين، وتحضن الأم ابنتها المعاقة، وهي تعلم أنها لم تكن لتمد يدها عليها لولا الضغوط المادية، والصحية، والنفسية الأليمة التي تعاني منها. فقد أصيبت الأم من جراء الحالة النفسية السيئة بالسكري، والضغط، والكولسترول، وهي الآن تستعد لعملية جراحية من الأورام التي سببت انتفاخًا شديدًا في البطن، وصاحب الشقة التي استأجرتها يهددها بالإخلاء لعدم سداد الإيجار. لذلك أناشد الجهات المعنية، وكل مَن يهمه الأمر بإنشاء مركز تأهيلي إيوائي خاص للمطلقات، ذوات أبناء الاحتياجات الخاصة بشكل فوري، يشمل سكنًا كريمًا، وورشًا مهنية محمية توظيفية، يجتمعن فيها، وتكون عونًا لهن في كفاحهن في هذه الدنيا، خاصة عندما يتقدم بهنّ العمر، فلا يستطعن أن يكملن رسالتهن بنفس الطاقة والقدرة في شبابهنّ. إن هذه السيدة البائسة المحبطة الحزينة والمريضة، والتي تمثل فئة من فئات مجتمعنا لن يسعد لنا بال حتى تنام، وهي مرتاحة الخاطر.