يخلط بعض الأزواج في فهم المقاصد الشرعية للطلاق، باعتباره حلالا، متناسيا أنه "أبغض الحلال" عند الله تعالى حيث جعل الشارع الكريم الطلاق في أضيق الحدود، وفي حالة استحالة العشرة بين الزوجين، وبما لا تستقيم معه الحياة الزوجية، وصعوبة العلاج إلا به وحتى يكون مخرجًا من الضيق وفرجًا من الشدة في زوجية لم تحقق ما أراده الله -سبحانه وتعالى- لها من مقاصد الزواج التي تقوم على المودة والسكن النفسي والتعاون في الحياة. وتسبق مرحلة الطلاق لدى كثير من الأسر مشاكل كبيرة بين عائلتي الزوجين، وتنتقل تلك المشاكل أحيانا إلى المحاكم ومراكز الإصلاح الأسري، ولا تضع الحرب أوزارها حتى يتحقق أبغض الحلال. "الرسالة" ناقشت مع المختصين أولى خطوات الطلاق، والحلول المقترحة للتخفيف من مشاكله وقضاياه بما لا يؤدى إلى تحول الأبناء إلى "ضحايا" له.. فإلى ثنايا الموضوع.. مؤشرات الطلاق في بداية حديثه عن مؤشرات الطلاق، أشار المستشار الأسري والأكاديمي د.خالد المنيف إلى 4 خطوات حال تحققها تتجه العلاقة الزوجية للانهيار، وقال: "النقد القاسي هو علامة الإنذار المبكر بانهيار عش الزوجية، وأن يأتي الهجوم محملًا بالاحتقار، وهو انفعال مدمر، عادة لا يعبر عنه بالألفاظ العادية، ولكن بنبرة صوت غاضبة أو بسخرية مريرة كما يظهر في تعبيرات الوجه التي تنم عن الازدراء". وأضاف: "من الطبيعي أن يشعر الأزواج ببعض اللحظات المتوترة من وقت إلى آخر عندما يختلفان أو يتعاركان، لكن المشكلة الحقيقية تأتي حين يشعر أحد الزوجين أنه وصل إلى مرحلة "طفح الكيل" بصورة مستمرة تقريبًا، وتتطور تلك المرحلة إلى التفكير فعليًّا طوال الوقت في أسوأ ما في الطرف الآخر، بحيث يترجم كل ما يفعله سلبيًّا، فالمسائل الصغيرة تصبح معارك كبيرة فى ظل مشاعر مجروحة، ومع الوقت تبدو كل مشكلة تصادفهما مشكلة حادة من المستحيل علاجها، ومع استمرار هذا "الطوفان" يبدو التحدث في هذه الأمور بلا جدوى، ويبدأ كل منهما في الانعزال عن الآخر و"ممارسة حياتين متوازيتين"، حتى أن كلًا منهما يشعر بالوحدة رغم أنه متزوج!، مشيرا إلى أن كل تلك المقدمات تؤدى إلى الطلاق. نفقة مستقطعة ويتطرق المستشار الأسري عبدالرحمن القراش إلى مشكلة ما بعد الطلاق، ويقترح أن يصدر قرار إلزامي من وزارة العدل باستقطاع النفقة من الراتب، وأضاف: "عندما شرع الله الطلاق فإنه لغاية سامية من أجل الفصل في الخصومة بين الزوجين الذين استنفدا كافة الوسائل الممكنة للحل الودي، ومن أجل تصحيح الحياة والتجديد وبداية المشوار مرة أخرى بطريقة جديدة - يحدث الطلاق"، مشيرا إلى أن بعض الرجال عندما يطلّق زوجته، يرمي مطلقته وأبناءها على قارعة طريق المجتمع ليحاصروهم بنظرات الشفقة ويحسنوا إليهم بما تجود به أنفسهم فيخرج لنا أولئك الأبناء ناقمين على والديهما والمجتمع ويحسون بالذل والهوان. وقال: "لذلك نأمل من وزارة العدل التي تصدر صكوك الطلاق أن تصدر قرارًا إلزاميا على كل زوج مطلق بأن يدفع النفقة من راتبه عن طريق الاستقطاع الشهري" الذي يكفل حياة كريمة للأبناء، ولن يتم ذلك إلا بالتضامن مع وزارة الداخلية بأن من لا يطبق ذلك يتم سجنه ومعاقبته على أن تكون المطلقة هي من يتولى رعاية الأبناء وغير راغبة في الزواج مرة أخرى فيلزم الرجل ببيت ونفقة، ولا يستثنى من ذلك أحد لأنه بهذا القرار سيقل معدل الطلاق ويرتدع المفَرطون في النفقة على أبنائهم". سعة وغنى في حين أوضح المشرف العام على موقع ناصح د.مازن الفريح أن الطلاق للأسف الشديد في بعض المجتمعات لا يكون إلا بعد حرب ضروس يعلنها أهل الزوجين ويتجرع غصصها الأبناء وتترك آثارها النفسية على الزوجين، وأضاف: "وذلك لأننا لم نتبع أحكام الإسلام وآدابه، ففي الإسلام لابد أن نعطي المطلقة هدية جبرًا لخاطرها (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) وأن للمطلقة طلاقًا رجعيًا ما دامت في العدة نفقة الزوجة وسكنها مدة عدتها على المطلق، لقوله تعالى في الرجعيات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ). وهذا محل اتفاق بين الفقهاء، كما لا يحق لنا أن نخرج المطلقة رجعيًا من بيتها (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فالطلاق في الإسلام رحمة لكلا الزوجين وسعة وغنى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته). حكمة تشريع الطلاق في الإسلام حرصت الشريعة الغراء حرصا شديدا على بقاء العلاقة الزوجية وحث على ذلك حتى مع تحقيق أقل عناصرها حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها الآخر)، و"الفرك" بفتح الفاء والراء هو الكراهية والإبعاد، بل قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا). ولتشريع الطلاق حكمة، وهى توفير الراحة لكلا الزوجين وضمان أداء الأسرة لواجبها الاجتماعي والإنساني كما قال الله تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلًا من سعته)، ومن ضرورات الطلاق: 1- اختلاف الطبائع بين الزوجين وتباين الأخلاق. 2- قد يصاب أحد الزوجين بالعقم. 3- إذا كان الزوج معسرًا غير مستطيع للإنفاق على زوجته. 4- الشارع الحكيم جعل للزوجة الحق في طلب الطلاق من القضاء.