يكتنز الوطن رجالًا خدموه بكل إخلاص وتفانٍ.. وكان لهم دور بارز في الرقي بالعمل الحكومي، من خلال تطوير الخدمات المقدمة للجمهور، وكيفية التعامل معه.. واللواء عبدالقادر عبدالحي كمال أحد هؤلاء الرجال، حيث قضى 50 عامًا من عمره في العمل الحكومي، تقلد خلالها العديد من المسؤوليات، على رأسها مدير عام المرور بالمملكة، ومدير شرطة منطقة مكةالمكرمة، وعضو بمجلس الشورى، بالإضافة إلى العديد من المراكز القيادية. «المدينة» التقت اللواء عبدالقادر ليكشف للقراء عن جوانب مهمة في محطات تاريخية قضاها في دروب العمل الحكومي، ورأيه في العديد من القضايا الاجتماعية والعامة والشخصية. وتطرق اللواء عبدالقادر كمال في حواره مع «المدينة» إلى العديد من جوانب حياته المدنية والعسكرية، وبداياته ومراحله الدراسية التي قضاها في الداخل ومبتعثا بالخارج، ورأيه في قضايا الابتعاث وتأثيره على المجتمع، وكيف يرى التركيبة الاجتماعية للمملكة، ومنظر البعض القبلي والمناطقي لها.. وفيما يلي نطالع الجزء الأول من الحوار: سعادة اللواء عبدالقادر كمال، أنت من مواليد عام 1355ه، ماذا يشكل لك هذا التاريخ تحديدا؟ كانت ليلة جمعة، وكان يوم 27 رمضان ولهذا سميت عبدالقادر ظنا منهم أنها ليلة القدر، وما في شك أني أبتهج بهذا التاريخ ولا يعني هذا أني أختال به، ولكني أجزم إن شاء الله بالنسبة لي يوم أتذكره ولو أصحبت فوق السبعين والحمد لله على كل حال، أيضا قبل أن آتي إلى هذه الحياة كان لي أخ أيضا سمي بعبدالقادر ثم توفي في شهوره الأولى تقريبا، فلما جئت أنا سميت بعبدالقادر، وكنت الثالث قبلي بنتين، وأخواتي الأكبر مني توفوا يرحمهم الله وانتقلوا إلى الحياة الخالدة إن شاء الله عند مليك مقتدر، وأنا في الطريق. أين ولدت، كيف كان المنطقة التي ولدت فيها؟ ولدت في مدينة يسمونها الظفير في غامد جنوبالباحة بحوالي كيلو أو أقل، ولكنها الآن دخلت في الباحة وأصبحت حي من أحيائها، وأذكر أنها قرية وادعة وجميلة وكانت في أعلى السروات، حيث كانت تصافح النجوم وتلتف بالغيوم، وهي قرية بسيطة وأهلها بسطاء جدا، ولكن المودة بين الناس متسعة بشكل كبير جدا، والقلوب متآلفة والناس ودودين، وأذكر أنه بعد صلاة الجمعة في هذه القرية التي هي قاعدة الحكم في غامد وظهران الجنوب كانوا بعد صلاة الجمعة ينتظرون خارج المسجد في الساحة الخارجية ليحلوا مشكلاتهم، والواقع أن هذه الصورة العملية والتكاتف والتعاون هي التي رسخت في ذهني إلى هذا اليوم. هل كنت متفوقا دراسيا؟ لا أدعي هذا ولا أدري أني كنت متفوق دراسيا، ولكن الذي اذكره تماما أنني كنت متفوقا في كلية الشرطة في القاهرة عندما ذهبت إلى هناك خلال فترة الابتعاث الأولى. هل دخلت في الابتعاث بعد الثانوية العامة مباشرة، وكيف كان يتم اختياركم؟ كان ذلك حسب الرغبة، وسبحان الله لا أعلم كيف وصلت إلى السلك العسكري مع أنني كنت أتمنى أني أتخصص في اللغة العربية والأدب وما إلى ذلك بحكم طبيعتي، حيث أني أحب الأدب والبلاغة. وهل هذه مصادفة؟ نعم، أذكر عندما كنت في الكفاءة المتوسطة جاءنا وفد من القوات الجوية لزيارة المدرسة على أساس أن يستقطبوا منا، وفعلًا دخل بعض زملائي فيها وأصبحوا طيارين، وأنا أذكر إني تقدمت معهم، وتعرف أن الحياة فرص وكلمة عسكري وكلمة إنك تكون طيار شيء كبير ومبهج أن تكون كذلك، ولكن سبحان الله أوراقي تاهت مع زميل لي آخر فتاهت أوراقنا جميعا ولم نذهب مع البعثة، ثم جاء وفد آخر من البحرية وتقدمت فيها أيضا وطلبوا مني حينها عاجلا موافقة الوالد، ولبعد المسافة بين الطائف وقريتي تخلفت أيضا عن الدورة ولم أوفق، فجاءت كلية الشرطة هذه دخلت فيها ورحت مع زملائي، وكنت أول دفعتي، وكان معنا جزائريون وسوريون وسودانيون وفلسطينيون، وكنت أول الدفعة كلها ولهذا كنت بالنسبة لزملائي الذين معي أقدمهم باعتبار أني تخرجت أول الدفعة. الآن برنامج الابتعاث يعيش قفزة أخرى، كيف تراه اليوم على أبناء البلد بشكل عام في العصر الحالي خاصة أنه يواجه هجوما ومحاصرة من بعض المتشددين؟ عندما بدأت الدعوة الإسلامية بدأت بالتنوير، فهي دعوة تنويرية، وبالتالي كلما يكسب الإنسان علما أو ثقافة أو سلوكا طيبا يجب أن نتوسع فيه ونؤمن به، ونحن اليوم في حاجة إلى أطباء ومهندسين وإلى علماء فيزياء وكيمياء، وهذه لا تتأتى ما لم نشجع على الابتعاث وننهل العلم من مواقعه، ومهما عملنا من جهد لأن ننشئ مؤسسات تعليمية في الداخل فلا يمكن أن نستطيع أن نعمل ذلك لا بد أن نعمل في جميع الجبهات، فنحن الآن في جهاد مع الجهل ولا بد أننا نهيئ للناشئة والشباب الوسيلة التي نستطيع بها في يوم من الأيام أن نقف أمام العالم المتحضر ونحن مسلحين بالعلم. * هل ترى أن المجتمع السعودي ما زال متأثرا بالمناطقية والعصبية القبلية رغم التقدم في كثير من المجالات؟ المناطقية ليست كلها شر ولا القبلية كلها شر لو كانت من باب المودة في القربى، يعني كوني أنا أشعر بشعور طيب نحو منطقتي فلا شيء في ذلك، ولكن ينبغي ألا نبالغ في هذا الموضوع، بل ينبغي أن نجعل اهتمامنا بكل المناطق في المملكة كوطن جامع، كما ينبغي أن أشعر نحو قبيلتي كما أشعر نحو القبائل الأخرى، لأننا إذا تعصبنا للقبيلة، ورفضنا القبائل والمناطق الأخرى سنعود إلى زمن الجاهلية، وهذا لا يليق بنا كمجتمع متحضر. * هل أثرت فيك العسكرية؟ نعم أثرت كثيرا من الناحية السلوكية، ومن ناحية أني أهتم بالأشياء وأدقق بشكل أكثر. كما علمتني كيف أوازن بين الشدة واللين في عملي. * كم أعطيت العمل الأمني من حياتك، وماذا استفدت منه؟ ليس كلها العمل الأمني، لكن إذا قصدك العمل الحكومي فبخلاف عملي عضوا في مجلس الشورى فأنا قضيت في العمل الحكومي أكثر من 38 سنة، لكني قضيت أيضا في مجلس الشورى 12 سنة، أي ثلاثة دورات هي الحد الأعلى فأصبح تقريبا عملي الحكومي نصف قرن. هل لك أن تقارن لنا بين العمل في الأمن، والعمل تحت قبة الشورى؟ في عام 1430ه عندما انتهينا من مجلس الشورى كنت قد ألقيت كلمة بالنيابة عن زملائي الذين انتهت عضويتهم، وقلت: في الواقع مجلس الشورى عبارة عن جامعة مختلفة المناهج، وهذه الجامعة كل طالب فيها لا يرغب في التخرج منها، فكل جامعة يريد الطالب أن يتخرج منها إلا جامعة الشورى هذه لأن الطالب فيها يشعر بأن مجلس الشورى عبارة عن بوتقة كبيرة جدًا من العلوم المختلفة فمثلا أنا إلمامي بالعملية الأمنية لكني عندما دخلت مجلس الشورى لا بد أن أقرأ عن النواحي الاقتصادية لا بد أن أقرأ عن النقل عن النواحي التخطيطية يعني أشياء كثيرة جدًا ما كانت تخطر لي ببال لأنها ليست في مجال لكني عشان أكون في مجلس الشورى أقدم رأي لا بد أن أقرأ هذه الأشياء، يعني مثلا تقارير الجهات الحكومية مختلفة من الناحية الإدارية من الناحية التنظيمية أشياء كثيرة جدا. * هل لك تحكي لنا عن أطرف المواقف في عملك خلال الخدمة العسكرية سواء مع مواطن أو مع أحد مرؤوسيك أو أحد رؤسائك؟ ربما أن الذاكرة ما تساعد، ولكن أنا أذكر عندما كنت مديرا للجوازات والجنسية في جدة، وكان الروتين هو كثير جدا، فحاولت أن أخففه قليلا حتى نؤدي خدمة للناس في تلك الأيام. فجاء أحد المراجعين لإضافة زوجته في التابعية - دفتر العائلة حاليا-، وكانت بطريقة بدائية، وهي أن يأتي بصورة عقد النكاح وصورة حفيظة والدها ويعمل إجراءات بسيطة حتى تضاف الزوجة بأنها سعودية، ويبدو أن الرجل كان عنده ولد جاره يريد أن يضيفه في تابعيته أيضا، وعندما أتى وجد نفسه أعزب لأنهم لم يضيفوا زوجته في ملفه، وعملية الإدارة والتنظيم في تلك الأيام كانت بدائية وحسب قدرة الموظفين، فجاءني رجل كبير في السن وهو غاضب ويشتكي. فقلت: طبعا أنت في إمكانك أن تضم زوجتك، وما فيه أحد يقولك شيء. فقال: كيف؟ فقلت له: «روح البيت وضمها وما في أحد داري عنك». ففهم النكته وعرف إني أقصد أسري عنه من هذه الحدة وضحك كثيرا، وناديت لأحد الموظفين وقلت له أنزل معه وكمل له إجراءاته بسرعة. وجاءني شخص آخر وقال: أريد أن أتزوج ولا أعرف ماذا أفعل، وكيف أتزوج، وأريد أن أضم زوجتي؟ فقلت له: أنا مدير الجوازات ولست مدير الزواجات. وآخر جاءني وأنا مدير عام المرور وهو قريب لنا من أرحامنا، وكان عنده ولد صغير في تلك الأيام ويبدو لي أنه آخر العنقود، وكان مدللًا قليلا، وكنت أقول له يا ابني لا تفعل كذا أو كذا وكان الأب زعلان لماذا أوبخ ابنه وانصحه. فقلت له تعال أنا أسويلك ورقة تسوق بها الدراجة الصغيرة، ومنحته رخصة قيادة دراجة. واليوم كبر وتزوج وعنده أبناء، وكلما شاهدني يقول: «لا تسألني عن الرخصة ترى الورقة عندي». اللواء عبدالقادر في سطور -ولد اللواء متقاعد عبدالقادر بن عبدالحي حسن كمال في الظفير عام 1355ه، متزوج وله الأبناء 3 (ولدان، وبنت)، ومن الأحفاد 11. - حصل على بكالوريوس في الدراسات الأمنية وعلوم الشرطة من كلية الشرطة بالقاهرة. ودبلوم معهد البوليتكنك في لندن عام 1387ه. - عين عضوا بمجلس الشورى منذ 03/03/1418ه وحتى 03/03/1430ه، ومديرا لجوازات مطار جدة 1380ه، ومدير مكتب مدير الأمن العام في الرياض 1387ه، ومدير الجوازات والجنسية في جدة 1387ه، ومساعد مدير عام الجوازات في الرياض 1393ه، ومدير عام الجوازات في الرياض بالإنابة 1401ه، ومدير شرطة منطقة عسير - أبها 1403ه، ومدير عام المرور في المملكة (الأمن العام) الرياض 1408ه، ثم مدير شرطة منطقة مكةالمكرمة (الأمن العام) - جدة 1413ه -شارك في عدد من مجالس واللجان، منها عضو مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر السعودي 1408 - 1413ه، وعضو مجلس إدارة شركة النقل الجماعي 1408- 1413ه، كما شارك في العديد من الوفود والندوات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها. - حصل على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثانية عام 1410ه، ووسام الملك فيصل من الدرجة الثالثة عام 1404ه، ووسام يون هواي من الصين الوطنية عام 1410ه ووسام الأرز اللبناني درجة فارس 1391ه، ووسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة عام 1404ه وميدالية التقرير العسكري من الدرجة الأولى عام 1399ه.