استطاعت كثير من مراكز ودور إيواء المتسوّلين في جدة نقل بعض الأطفال المشردين من متسوّلين ومشاريع إجرام مستقبلا إلى مبدعين وأصحاب مواهب يمكن أن يكونوا عناصر بناء في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية حال رعايتهم وتوجيه طاقاتهم بشكل سليم . « المدينة « قامت بجولة ميدانية داخل مركز إيواء الأطفال المتسولين بجدة، ورصدت عملية التحوّل من طفولة بائسة يعيشها أطفال محرومون يفترشون الأرض ويلتحفون بالسماء إلى أصحاب مواهب عديدة مابين أصوات شجية تترنم بالقرآن الكريم في حلقات الذكر اليومية، وبين شخصيات مرحة ذات نكتة حاضرة تلفّها ابتسامات الطفولة البريئة، أو أنامل مبدعة تحاكي واقعها بريشة فنان على بداية الطريق الصحيح ، وايضا اصحاب موهبة فى كرة القدم ومغازلة جميلة على طريقة اللاعب الشهير ميسى . ومن داخل المركز الوحيد بالمملكة والذي يضم بين أروقته ساعة إعداد التقرير 26 طفلا وطفلة، بعضهم ضحايا عصابات الاتجار بالأطفال ، يقول عبدالله علي أحمد 12 عاما، يمني الجنسية : إن والده توفي ،و لم يكن يبلغ عامه التاسع بعد، وقدم إلى المملكة برفقة والدته عبر دروب التهريب بين الحدود، لكنها أُودعت في إدارة الترحيل بينما جيء به إلى المركز ليجد فيه كرامته كإنسان. وأشار إلى انه خلال تواجده بالمركز تعرف على مجموعة من (أصدقاء المهنة) ووجد ضالته فهو صاحب نكتة حاضرة ،و بدأ زملاؤه يتحلّقون حوله ليقص عليهم بعض النكات والمواقف الطريفة التي مرّ بها خاصة أثناء رحلة التهريب والمغامرة. تميّز في القرآن أما محمد عبدالمعز ذو الأعوام العشرة وهو مصري الجنسية فقد وجد في المركز فرصة ذهبية لمراجعة أجزاء من القرآن الكريم، بعد أن تم إيقاف والدته على ذمة قضية في المدينةالمنورة،ومن خلال الحلقة القرآنية الصباحية استطاع حفظ ثلاثة أجزاء من كتاب الله وهو صاحب صوت شجي في القراءة واجتاز اختبار جمعية تحفيظ القرآن الكريم ليحصل على 98 درجة وبتقدير امتياز. ويستغل الطفل أمجد معمر « 11عاما « وهو مالي الجنسية مدة بقائه في المركز لإبراز مهاراته الرياضية بين أقرانه سواء في لعبة كرة القدم أو اللعبة الشعبية ( الفرفيرة) خلال وقت الراحة الذي خصصته لهم إدارة المركز. وبالرغم من عدم وجود مساحة مخصصة للعب كرة القدم إلا أن أمجد يستغل صالة الألعاب التي تحتوي على بعض الألعاب الشعبية من بينها ( الكيرم) و (الفرفيرة) في مراوغة أقرانه بكرة بلاستيكية. وبالرغم من جهود إدارة المركز في دمج الأطفال إلا أن هناك ثمة حساسيات و عنصرية تحصل بينهم أحيانا، فبعض الجنسيات الإفريقية تشكل مجموعة لوحدها داخل المركز في الأكل واللعب، وعن ذلك يقول رامي معلقا :» المشرفون متيقظون حيث يمنعون هذه التجمعات لنزع فتيل العنصرية المقيتة». معرض للرسم وعن آليات تأهيل هؤلاء الأطفال ، واكتشاف مواهبهم المدفونة، بشير مجدي باخريبة المشرف العام على الدور الإيوائية بجمعية البر بجدة إلى أن رسالة المركز هي تثقيف الأطفال المتسولين وإقناعهم بتصرفهم الخاطئ وأن مكانهم الحقيقي هو مقاعد الدراسة، ومن ثم يتم عمل برامج توعوية وترفيهية لهم مدة بقائهم فيه والتي غالبا لا تتجاوز الأسبوع حتى يصبح عضوا فعالا في المجتمع». وأضاف:» اكتشفنا من بينهم مبدعين في الرسم وآخرين في قراءة القرآن الكريم وأيضا أصحاب مهارات رياضية عالية وقمنا بتشجيعهم وعمل معرض لرسوماتهم، بعد جلب أدوات الرسم لهم» عصابات الاتجار بالأطفال أما مدير المركز رامي الغامدي فأوضح انه عند استلام الأطفال نأمرهم بالاستحمام ومن ثم تبديل ملابسهم وأخذ جميع ما بحوزتهم وإيداعها صندوق الأمانات وانه خلال بقائه في المركز يتم أخذ معلومات منه من خلال الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين. وذكر أن التحقيقات التي أجريت للأطفال كشفت عن وجود عصابات منظمة تقوم باستغلالهم والاتجار بهم، حيث يقوم رئيس العصابة بتوزيع الأطفال على مناطق معينة صبيحة كل يوم ويراقب عملهم، وفي آخر النهار يجمع كل المبالغ، ولا يعطيهم منها إلا نزرا يسيرا إضافة إلى تأمينه الأكل والسكن في إحدى الشقق بالأحياء الشعبية». آلية الخروج وعن آلية خروج الأطفال يقول الغامدي:» إذا كان الطفل المتسول لديه إقامة نظامية يتم إطلاق سراحه مع دفع غرامة مالية قدرها 3000 ريال تقريبا ،وكتابة تعهد بعدم العودة مرة أخرى إلى ممارسة التسول، أما إذا لم تكن لديه هوية فتقوم الجوازات بالتواصل مع قنصليات دولهم تمهيدا لترحيله» ويضيف:» ليس كل الأطفال المحجوزين متسولين، فبعضهم تمت إحالته إلى المركز لوجود والديه أو أحدهما في سجون التوقيف على ذمة قضايا معينة،أو لعدم وجود إقامة نظامية لديه، ومتى ما تم الإفراج عن أهله يتم خروجه». محاولات الهروب ولم ينف الغامدي محاولات هروب بعض الأطفال لذلك تم إحكام إغلاق الأبواب من الداخل وتأمين وجود عناصر من الشرطة على مدار الساعة». وأشار إلى أنهم ينتظرون تعاون الجهات الحكومية ذات العلاقة والقيام بدور أكبر لأنه المركز الوحيد في المملكة ويستقبل أطفالا من جميع المناطق. برنامج يومي وعن البرنامج اليومي للأطفال قال:» يبدأ بصلاة الفجر ومن ثم تناول طعام الإفطار والالتحاق بحلقة تحفيظ القرآن من التاسعة وحتى الحادية عشرة صباحا وبعد ذلك الاستعداد لصلاة الظهر وتناول الغداء وفي المساء تكون فترة ترفيهية بصالة الألعاب وتناول العشاء، ويكون النوم إجباريا في الساعة العاشرة».