قبيل تنحّيه أو خلعه صعد المشير محمد حسين طنطاوي بالرئيس حسني مبارك وحلّق به فوق ميدان التحرير ليثبت له أن الأمر قد انتهى تمامًا وليس ثمّة إلا المغادرة! نزل المشير إلى الأرض وزار الميدان فلم يجد إلا الحب يطوّقه ويطوّق جنوده، وشبابا يصرخ من فرط الفرح مرددًا: الجيش والشعب.. إيد واحدة! واجتهد المجتهدون -وأنا منهم- فرشّحنا المشير لجائزة نوبل للسلام، ورحنا ننسج القصص والروايات لأطفالنا عن المشير وعنان وبقية الأعضاء الذين استجابوا لنداء الشعب! وكان ما كان .. من تمثيليات ومسرحيات ومحاكمات وصفقات وإعلانات ولجان وانتخابات فشلت كلّها بجدارة في إقناع الشعب بأن هناك من يعمل لنجاح الثورة ويسعى حقيقة للبناء والاستقرار! حتى البرلمان المنتخب الذي جاء بإرادة الشعب أو شريحة كبرى منه فشل هو الآخر في إقناع الشعب بأنه يستطيع أن يفعل شيئاً حقيقياً لصالحه! شيئاً فشيئاً أصبح الكل يكابر رغم بكاء الثورة وزئير الحناجر المحتشدة تارة في ماسبيرو وأخرى في محمد محمود وثالثة ورابعة وخامسة في كل ميدان من ميادين مصر الباسلة!. بات من الثابت أنهم ظلوا يعاملون الثورة كطفل يباغتونها جميعاً ويسرقون منها المكان.. وكان ما كان.. وعاد الثوار من جديد.. عادوا كلهم معاً وكأن شيئاً لم يكن! خرست أصوات العباسية المشروخة لأنها مصطنعة، وسقطت تجمعات روكسي، وجماعات بنحبّك يا ريس، لأنها مغشوشة، انكشفت قنوات طرّة الفضائية، وأقلام أبي زعبل الصحفية، وأحزاب الفلول البهلوانية وعادت الثورة من جديد! الآن.. وبعد أن كان ما كان، هل يصعد المشير بالهليكوبتر مرة أخرى ليتأكد بنفسه أن الثورة عادت من جديد؟ تُرى: من الذي يريد أن يصعد مع المشير ليتأكد هو الآخر؟ اسماء كثيرة مرشحة للصعود فوق ميدان التحرير من جديد للتأكد من أن الثورة جاءت مرة أخرى ومن هذه الأسماء: الدكتور الجنزوري الذي يدير ظهره لمصر! والمرشد العام للاخوان الذي ظن أنه يمكن الاستغناء عن مصر! وحازم أبو إسماعيل الذي اعتقد أنه الممثل الشرعي الوحيد لمصر! وأحمد شفيق الذي يتوهم أنه ليس مطلوباً للتحقيق في مصر! ولأن مشهد التحرير من الأعالي يستحق التسجيل والتأريخ فليأخذ المشير معه رؤساء التحرير الذين انقلبوا، والمذيعين والمذيعات الذين تحوّلوا، وبعض أعضاء البرلمان الذين تنكّروا! اصعدوا وتأكدوا من فوق ميدان التحرير أنه لا يحوي ثعابين وبلطجية وإنما يضم نجومًا وشموسًا وثمرًا ووردًا وثورة.. وإذا تأكدتم فانزلوا وغادرونا للأبد!.