لقد استطاع معالي مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد العقلا أن يحدث تغييرًا بيّنًا في صورة الجامعة المقولبة في الأذهان؛ فانتقلت بذلك من حال الانطواء على الذات والانكفاء عليها إلى الانفتاح على المجتمع الخارجي، ومن الجمود إلى الحراك، ومن مرحلة النافذة المتوجّسة الضيقة إلى مرحلة الأبواب المشرعة الفسيحة.. وهي جديرة بهذه النقلة التي تليق بها، وتتناسب مع وضعها؛ بالنظر إلى رسالتها العالمية وتعدد الخلفيات الاجتماعية والثقافية للمنتسبين إليها، ومنطلَقها المكاني المرتكز على القيمة التاريخية والحضارية للمدينة المنورة، ومكانتها الرمزية التي استمدت منها الثقافة الإسلامية معنى التعايش والتعارف والتسامح والمؤاخاة. وتتمظهر تلكم النقلة النوعية في الانفتاح على العلوم التجريبية والتطبيقية في عديد من التخصصات لمسايرة مستجدات العصر الحثيثة والإفادة منها، بالإضافة إلى برنامج ثقافي حافل يتضمن محاضرات متنوعة وأمسيات وندوات متخصصة ومؤتمرات متميزة في موضوعاتها والإعداد لها وفي المشاركات التي فتح بابها للمرأة واستقطبتْ أسماء لافتة من العالم العربي والإسلامي. ويأتي مؤتمر اللغة العربية ومواكبة العصر المنعقد في آخرة الأسبوع المنصرم بمشاركة أكثر من ستين باحثًا مثالاً باهيًا للانفتاح على المجتمع المحلي والعربي والإسلامي، وتجسيدًا لانهمام الجامعة بصفتها مؤسسة علمية بقضايا العصر، وانعكاساتها على هوية الأمة وكينونتها الثقافية. ويحمد للقائمين على المؤتمر الدولي التركيز على مواكبة العصر، فهو التحدي الأظهرالذي يواجه اللغة العربية في راهننا الحضاري؛ ذلك أننا في عصر العولمة والتقانة المستند في صيرورته على منتجات ثورة المعلومات التي تتداعى أمامها الحدود، وتنحسر ستائر الجغرافيا، وتتهاوى سطوتها. عصر الشركات العابرة للقارات، وإذابة الفوارق، والتشابه الصّناع، والاستهلاك المتفاقم لوسائل الاتصال، والوسائط المتعددة، وأدوات الثقافة الرقمية الغفيرة.. الذي لابد أن يستشعر فيه المغلوب باستهلاكه وانبهاره طغوى لغة وثقافة الغالب بإنتاجه، ومستوى حضارته، ومساحة نفوذها. فلعل في عديد أوراق هذا المؤتمر، ومحاوره المختلفة وما أسفرتْ عنه من نتائج وملحوظات وآليات مقترحة ما يوقظ نزعة التشبث بقيمة الذات، وما يشحذ معنى الوِقاع والمغالبة لاستنفار الهمم على غير مستوى، وما يدفع للإفادة من وسائل العصر وآلياته، وتسخيرها لاستبطان واستجلاء وتعزيز إمكانات لغتنا، وتقديمها بصورة ملائمة وفاعلة؛ تستثمر الإقبال الهائل على استخدامها من شرائح المجتمع كافة، وتواكب مستجداتها الكثيفة التي لا نتوانى عن استهلاكها، ونتموضع على مبعدة ليل مديد، فيما يبدو، من الإسهام في إنتاجها. ولعل نرى، بعد الاستماع إلى توصيات المؤتمر، ما نتقرّى ملامحه منها قبل انعقاد المؤتمر بعد ثلاث سنين في دورته الثانية.