تحدثت في المقالات الثلاث السابقة عن مرض التنميط والتعميم الذي أصبح سمة واضحة من سمات العقل العربي. وهو مرض ناتج -في رأيي- عن العديد من الأسباب التي تفاعلت مع بعضها البعض، كالجهل والاستعلاء والإحساس الكاذب بالتفوق والنظرة الدونية للآخر القريب منا، لا ذاك الذي نعرف أن ما يفصلنا عنه سنوات ضوئية عديدة. في اعتقادي أن الدولة القطرية العربية التي تلت مرحلة الاستعمار تبنت مفهومًا شوفينيا عن الوطنية، أدى إلى إصابة شعوبنا بأمراض مثل التنميط والتعميم. إننا بحاجة كأمة إلى مراجعة مفهوم (الوطن الصنم) الناتج عن ثقافة وطنية متطرفة ترتكز على المغالبة والشعور الكاذب بالتفوق. وهو ما يحول بيننا وبين الانفتاح على بعضنا البعض كعرب، رغم كل هذا الكم من الاحتكاك المباشر الذي يجمع بين شعوبنا. الثقافة التي تكرس فكرة (تصنيم الوطن)، تتعامل مع الآخر وبالذات القريب، باعتباره منافسًا يمثل وجوده تهديدًا لفكرة التفوق والأفضلية المطلقة. تأمل الأغنيات والقصائد والأعمال الدرامية الوطنية في العالم العربي، وستجد أن كل شعب يدعي أن بلاده (ليس كمثلها شيء). وحب الوطن والانتماء إليه يختلف بالتأكيد عن هذه المشاعر الغارقة في الاستعلاء والفوقية. لماذا يجب علي أن أثبت أن بلادي أعظم من كل البلاد الأخرى؟ أليس هذا المفهوم وحده يؤدي إلى رفض الآخر، ومن ثم عدم محاولة التفاعل معه بشكل صحي؟! نحن في العالم العربي لا نعرف عن بعضنا البعض شيئًا، لأن كل واحد منا مشغول بإثبات أفضليته المطلقة على الآخرين. ولكي تثبت هذه الأفضلية، عليك أولاً أن ترفض مبدأ نقد الذات باعتباره مظهرًا من مظاهر الخيانة العظمى، ثم عليك بعد ذلك أن تسعى إلى الانتقاص من شأن الآخر (المنافس) بقدر الإمكان. كل ذلك يؤدي إلى شيوع التنميط كأسلوب لتقييم الآخر والذات معًا. والنتيجة الحتمية لذلك هي عدم القدرة على التعامل مع الحقيقة، وعدم القدرة على رؤيتها كما هي سواء الحقيقة التي تخصك أنت (الذات)، أو تلك الحقيقة التي تخص المنافس (الآخر). التنميط هو نتيجة ثقافة لا تنظر إلى الفرد بصفته غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق غايات كلية. [email protected]