الحديث عن السينما الإيطالية لا ينتهي؛ وذلك لأن المناخ الفني بإيطاليا حفل بفنانين على درجة عالية من الإبداع في مجالات الفن المختلفة، فهناك مؤلفو الموسيقى والأوبرا فن يمزج بين التأليف الموسيقى السيمفوني والحوار المسرحي المغنى، ففي هذا الجو من الفن الرفيع ظهر هؤلاء المخرجون المتميزون، فيسكونتي الذي اُعتبر رائد الواقعية الجديدة والتي بدأت تنحسر بسبب ميل صنّاع السينما الإيطالية بانتهاج الأسلوب الأمريكي في أفلامهم وذلك لأنها تحقق مكاسب مادية للمنتج بخلاف الأسلوب الواقعي الذي يربح أدبيًا ويجني الجوائز في مهرجانات السينما دون تحقيق ربح يذكر عند عرضه جماهيريًا. وُلد فيسكونتي في ميلانو من عائلة ميسورة وتلقى تعليمه الجامعي وبعدها جذبه عالم الفن فاتجه لرسم خلفيات المسارح ثم سافر إلى باريس وعمل لفترة مع المخرج الفرنسي بيير رونوار -حفيد الرسام الشهير التأثيري وصاحب لوحة الإفطار على العشب- بعدها عاد إلى إيطاليا مع رونوار المخرج وعمل معه مساعدًا في فيلم «توسكا» وبعدها عمل في المسرح لفترة وأدخل فيه تقنية جديدة تحرره من الجمود، وأول أفلامه كان فيلم «الوسوسة» وفيلمه عن قصة «رجل البوستة يدق دائمًا مرتين» للكاتب الأمريكي جميس كين وفيلم الوسوسة قصة تعبّر عن فساد وضياع الشباب. القصة كما أسلفت لكاتب أمريكي إلا أن فيسكونتي لما له من خبرة في كتابة سيناريوهات أفلامه جعلته يطابقها مع البيئة الإيطالية دون أي افتعال عُرض الفيلم 1942، وقد كان فيسكونتي غير معروف كمخرج إيطالي موهوب إلا أن النقاد أعجبهم أسلوبه السلس وأشادوا بالفيلم وبخاصة في مجلة عن السينما (بيانكواى نيرور) وقد كان أسلوبه الواقعي في تصوير أحداث الفيلم واختياره الأماكن الطبيعية وعدم اللجوء للتصوير داخل الاستوديو أثر عميق في نجاحه وتميزه. بعد هذا الفيلم اتجه إلى المسرح وأخرج فيه مسرحيات بعضها كلاسيكيات والبعض الآخر حديث إلا أنها تتميز بأسلوبه الحداثي الفريد التي جعلت منها أعمال فنية خالدة منها مسرحيات «انتيجونا- أقارب طيبون الطابور الخامس- الأبواب المغلقة»، ومن أهم ثاني أفلامه عام 1948 فيلم «الأرض تهتز» جسّد فيه صراع الصيادين في الجنوب الإيطالي مع أصحاب مراكب الصيد وتجار الجملة الذين ليس لهم هدف سوى الربح ويلقون الفتات للصيادين الذين ينزلون البحر ويتعرضون لمخاطر الصيد وفي النهاية لا يجنون سوى القليل من النقود ومن يربح هم الأغنياء الذين يمتلكون أدوات الإنتاج، هذا الفيلم صُوّر في قرية صيد بإيطاليا واستعان المخرج بصيادين حقيقيين من أهل القرية ولم يكتب حوار مسبق ولكن جعل من عمل معه في هذا الفيلم يساعدونه في وضع الحوار الذي يكون سلسًا على ألسنتهم وباللهجة المحلية لأهل القرية، وكان الفيلم بمثابة صرخة موجهة ضد الرأسمالية التي تمتص جهد العامل الأجير وتجني هي الأرباح الطائلة، وقد حاز هذا الفيلم إعجاب النقاد إلا أنه لم ينجح جماهيريًا وقد كان في نية فيسكونتي أن يُخرج فيلمين آخرين عن عمال المناجم والفلاحين وبذلك تكون ثلاثية اجتماعية بدأها بالصيادين إلا أن المشروع تعثر بسبب عدم نجاحه في شباك التذاكر. يتبع الأسبوع المقبل..