ما يجري في سوريا اليوم لا يمكن أن نطلق عليها مجازر تُرتكب ضد الشعب الأعزل فحسب بل هي حرب إبادة ، ومخطط ممنهج يقوم به أفراد عصابات "الشَّبيحة" وجنود الجيش الأسدي الذين بدلاً من أن يُصوبوا أسلحتهم الثَّقيلة والخفيفة لاسترداد "الجولان" فقد وجَّهوها إلى صدور إخوانهم وأخواتهم من أبناء الشعب السوري ، يضاف إلى ذلك تلك الجماعات المقاتلة التي قدمت إلى سوريا لتثبيت النِّظام ، ومنهم عناصر "الباسيج" الذين قدموا من طهران ، وجيش مقتدى الصدر ، وفيلق بدر وعصابات حسن نصر الله التي دخلت منذ وقت مبكر إلى حمص وباقي المدن والأرياف السُّوريَّة ، وهو أمر لا غرابة فيه لمن يعرف حقيقة التكتُّل المذهبي الذي يُعوِّل عليه النظام . ومن العجيب أنَّ الهيئة الدّولية لتقصي الحقائق في سوريا قد رفعت تقريراً إلى مجلس الأمن في عام 22 فبراير الذي ينصُّ بكل وضوح على ارتكاب جرائم ضد الانسانية في سوريا خلال الأشهر الماضية ، ومع ذلك نجد تلكأً في اتخاذ قرار صارم بحق تلك الانتهاكات بل نجد تسويفاً مقيتاً وإعطاء للمهلة تلو المهلة للنظام السوري لمواصلة حرب الابادة ، والسير في طريق المجازر المغوليَّة التَّتريَّة الجائرة بحق شعبه الاعزل . لقد كنا بالأمس نوجه أصابع اللوم إلى الجامعة العربية أن منحت النظام السوري المزيد من المهل طيلة عشرة شهور ماضية ، واليوم بعد أن صدر القرار المعروف عن الجامعة ، وخرج الأمر عن سيطرتها نجدنا مضطَرين إلى أن نقول لمجلس الأمن الدولي : وأنت كم قررت أن تُعطي هذا النظام الفاسد الظالم من المهل ؟ وما هو العدد الذي يقنعك من الضَّحايا حتى تتحرَّك ؟ وما هي الأجندات الخفية التي تدور في دهاليزك حتى لا نتفاجأ بقرار جديد مخيب للآمال أيضا؟. لقد تحوّلت هذه القضيَّة الإنسانيَّة العالميَّة التي يعيشها الشَّعب السُّوري إلى لعبة مصالح الكاسب الوحيد فيها هو من يفوز بالنَّصيب الأكبر من "الكيكة" المعروضة للمتاجرة والبيع بأكبر قدر من الرِّبح . وأخشى ما أخشاه أن يأتي القرار الجديد من مجلس الأمن ينصُّ على مساعدة الشَّعب السوري عن طريق إمداده بالغذاء والطعام ، فيكون هو كمن يسعى إلى تسمين الضَّحية استعدادا لذبحها!! كيف نمدُّه بالطَّعام والقصف الجوي يدوِّي على مدار الساعة لإبادته ، والدَّبابات تهدم البيوت على رؤوس المواطنين ، والناس هناك يهرعون لإخراج الجثث من تحت انقاض المباني وفيهم الأطفال والنساء والشِّيوخ . أليست الحاجة ماسَّة إلى إنقاذ الشعب السوري وإيقاف نزيف الدَّم الذي يُراق ، ومنع الطائرات والدبابات والمدفعيات ورشاشات "الشبِّيحة" وكتائب المتخاذلين من أن تصبَّ نارها وعدوانها على الشعب الأعزل وتفتك بالأبرياء ؟ أم أن مجلس الأمن يريد أن يفتك "الوحش" الهائج بفريسته ثم يأتي بعد ذلك بالحلِّ التَّصالحي المخزي بين الجلاد والضَّحية بعد أن أزهق أرواح مايزيد عن عشرة آلاف مواطن أعزل . إنَّ مجلس الأمن بتخاذله وإغماضه عن الحق يتاجر بدماء الشَّعب السُّوري بل ويساعد النِّظام الفاشي بصمته على كل الانتهاكات والجرائم والمجازر التي تدور رحاها في الشام . وحسبنا الله ونعم الوكيل . *الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية .