إن الناظر فيما يسمى الربيع العربي ليجد آيات الله تعالى في تناسق عجيب ، فمنذ عقود ليست بالطويلة كان كثير من المتمسكين بدينهم تطالهم ألقاب كثيرة تنفر الناس منهم ، فمر ردح من الزمان كانوا يسمون الوهابية ، ثم رموا بأنهم من الأصوليين ، وتارة يطلقون عليهم المتطرفين ، وتارة ثالثة يسمهم الإعلام بالإرهابيين ، وساعد على نشر هذه المصطلحات اندساس عناصر من (أهل الغلو) وما قاموا به من عمليات التدمير والتفجير ، حتى انطبع عند كثير من الناس أن هؤلاء صنف واحد ، وظن كثير أن فجر الحقائق لا يزال بعيداً . ثم لما انقلبت أوضاع الساسة ، وظهر للناس الفساد الذي كانت عليه بعض الأنظمة ، بدأت النظرة تتغير وبدا الناس يسمعون بما قام به (السلفيون) من مساندة للشعوب ضد الطغاة ، وبدأت الصورة تتضح أكثر مع فوز الملتحين في انتخابات المجالس النيابية في البلاد العربية بشمال إفريقيا . ولم تنعم أعين العلمانيين ، فصاروا يشنون الحملات المسعورة ضد السلفيين ، ويحاولون أن يثنوا الناس عنهم ، وهيهات فقد انبلج الصبح وغابت غياهب الظلام . لكن يحتاج المؤمنون أن يقوم العلماء والأمراء بتعليمهم الحق من الباطل في ذلك ، والعلماء والأمراء هم ولاة الأمور الذي أمر المؤمنون بطاعتهم في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء، آية 59] فقد ذكر جمع من مفسري السلف والخلف أنهم العلماء والولاة . وقد قام أولوا الأمر في هذه البلاد بالواجب عليهم في ذلك ، فانبرى خطيب المسجد الحرام الشيخ/ صالح بن طالب ، فأبان أن الحملات على السلفيين هي تشويه للإسلام ، لأن السلفية هي العودة إلى الإسلام الصحيح الخالي من البدع والشوائب ، ثم اضطلعت جامعة الإمام محمد بن سعود بتنظيم ندوة عالمية ضخمة منحتها عنواناً جميلاً، وهو : «السلفية منهج شرعي ومطلب وطني» ، ولقد قام برعاية هذه الندوة ولي عهد هذه البلاد صاحب السمو الملكي الأمير/ نايف بن عبد العزيز ، فأتى بما شفى به القلوب في هذا الأمر ، فكان من جميل ما قال «إخواني الكرام ، كما تعلمون فإن السلفية الحقة هي المنهج الذي يستمد أحكامه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي بذلك تخرج عن كل ما ألصق بها من تهم أو تبناه بعض أدعياء المنهج السلفي ، وحسب ما هو معروف فإن هذه الدولة المباركة قامت على المنهج السلفي السوي منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود وتعاهده مع الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله» . وهو بهذا الأمر رسم الخطوط العريضة للحكم في المملكة وأنه حكم سلفي رائق ، بل ورمى بالجهالة (من يقدح في نهجها أو يثير الشبهات والتهم حولها) ، ودعا إلى ضرورة بيان الحقيقة ، وإيضاح الحقائق تجاه السلفية هذا (النهج القويم الذي حمل زورا وبهتانا ما لا يحتمل من كذب وأباطيل ومفاهيم مغلوطة كالتكفير والغلو والإرهاب وغيرها) ، وفي عزة واضحة قال سموه : (إننا نؤكد لكم على أن هذه الدولة ستظل بإذن الله متبعة للمنهج السلفي القويم ، ولن تحيد عنه ولن تتنازل ، فهو مصدر عزها وتوفيقها ورفعتها ، كما أنه مصدر لرقيها وتقدمها ، لكونه يجمع بين الأصالة والمعاصرة ، وهو منهج ديني شرعي كما أنه منهج دنيوي يدعو إلى الأخذ بأسباب الرقي والتقدم والدعوة إلى التعايش السلمي مع الآخرين واحترام حقوقهم) . وقد أوضح سموه بهذا البيان الواضح أن السلفية منهج البلاد ، وأن العز والرقي والتقدم إنما يكون بالالتزام بالمنهج السلفي ، ثم أشار إشارته الرائعة في كون السلفية منهجاً دينيا ودنيوياً في آن واحد ، هو توجيه كريم من سموه للتفكر في حال النبي صلى الله عليه وسلم ، عندما أقام الدولة ، فكانت دولة شرعية ودولة سادت الدنيا، وعلامة الإرث الصحيح لميراث النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون دولة السلفية شرعية ترتقي في الدنيا . وإن تعجب فعجب هؤلاء الذين ينعون على السلفيين أموراً هي من ممادحهم ، فهؤلاء العلمانيون يقولون إن السلفية إذا حكمت بلادكم ستمنع الخمور وتغلق أماكن الفجور ، وحقا كما قال الأولون : ( أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) [النمل: 56] ، حقا لقد تشابهت قلوبهم... [email protected]