توالت تصريحات رئيس مكافحة الفساد إما للتعريف بالهيئة وإما لتوضيح آلية تعاطيها مع ملفات الفساد التي ينوء بحملها أولو العصبة! نبارك للهيئة انطلاقة أعمالها وإن كانت بداية الانطلاق متواضعة جدًا إلا أنها تشي إلى أن الإطاحة بالرؤوس الصغيرة للفساد ما هي إلا بمثابة التوطئة للإطاحة بالرؤوس الكبيرة التي أينعت!! من «مبطي» ولكن!!؟ لقد استرعى انتباهي إعلان الهيئة مؤخرًا عن رقم هاتفي هو: (19991) لعموم المواطنين نساءً ورجالا لا لشيء وإنما لكي يستفسروا عن آلية التبليغ عن قضايا وممارسات الفساد.. ويبدو والله أعلم أن هيئة مكافحة الفساد انزلقت من حيث تدري أو لا تدري إلى نفق البيروقراطية المظلم، ومعلوم أن البيروقراطية هي أس الفساد في دول العالم الثالث!! وإليكم بيروقراطية الهيئة والمتمثلة في الشروط التسعة التي يتعين توافرها لكي نقدم بلاغًا، عن فساد ما في مكان ما!! والشروط هي: أن يقدم معروض باسم رئيس الهيئة (ثقافة المعاريض) وسمي (خطاب) في سياق ما نشر وذلك لوأد ثقافة المعاريض المتأصلة في مجتمعنا.. كتابة اسم المبلغ كاملا مع التوقيع، رقم بطاقة الأحوال، رقم الاتصال أو العنوان، أن يكون البلاغ (جديًا)!! أن يكون واضحًا في صياغته محددًا في موضوعه وأن لا يتضمن شكاوى كيدية، أن لا يكون مكررًا مع إرفاق القرائن والأدلة إن وجدت!!! وتتعهد الهيئة بالحفاظ على سرية هوية المبلّغ إن أراد ذلك. مما سبق يتضح أن هيئة مكافحة الفساد لا تملك استراتيجية متماسكة لمكافحة الفساد الذي لا يحتاج إلى الشروط التسعة لكي يبلغ عنه ومن لم يصدق ليقرأ نظام الهيئة الذي لم يرد في سياقه أي تعريف للفساد أو آلية التعاطي معه!! يفترض في الهيئة أن توفر رقمًا مجانيًا للبلاغات الهاتفية وعليها أن تتحرى عن كل ما يصل إليها من بلاغات قبل تحركها ولا أظن أن هناك مواطنًا سوف يقدم على كتابة معروض باسم رئيس الهيئة الموقرة يبلغ فيه عن استيلاء أحدهم مثلا على أرض الحديقة وتحويلها إلى سوق تجاري أو إغلاق شارع وضمه لممتلكاته.. الفساد عادة ما يصرح عن نفسه دون مواربة في الدول المتقدمة والتي حصلت على (9.9) من (10) على مسطرة الشفافية الدولية يعتمدون على مبدأ (Tip-us) أي أخبرنا وهم يلتقطون ال(Tip) طرف الخيط لكي يحصلوا على المَكَرة وهو المعادل ل(رِجْل الديك) التي إذا أمسكنا بها وقع الديك في الفخ أو في شر عمله لا فرق. * ضوء: (الفساد يغذيه الصمت)