ألقت الأحداث المضطربة التي تشهدها مصر جراء مواكبة إقامة معرض القاهرة للكتاب للاحتفاء بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير بظلالها السالبة المتمثلة في ضعف إقبال الجماهير وإحجام بعض الناشرين العرب عن المشاركة في المعرض في دورته الحالية، كما شهدت فعاليات الأسبوع الأول لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والأربعين غياب ندوات وشخصيات ثقافية مصرية وعربية كثيرة عن المعرض، هذا بالإضافة إلى وجود سلبيات عدة ألقت بظلالها على الفعاليات وتسببت في تفجر شكوى الكثيرين من الناشرين والمترددين على المعرض، أبرزها سوء التنظيم وعدم توافر لوحات إرشادية بأماكن العرض خاصة مع تغييرها عن المواقع التي اعتادها الجمهور في الأعوام الماضية. غياب وارتباك وأدى ارتباك التنظيم إلى تأخر طباعة البرنامج الثقافي إلى ما قبل انطلاق فعاليات المعرض بساعات قليلة وتسلمه الإعلاميون والجمهور في المعرض إلا أن كثيرًا من التفاصيل الموجودة بالكتاب تغيرت تمامًا، ويقال إن هناك تعديلات جرت واعتذارات كثيرة تمت من قبل عدد من المثقفين، لكن المسؤولين تجاهلوا تصحيح هذه المعلومات لذلك فوجئ الجمهور بالغياب الملحوظ للضيوف المتحدثين المدرجة أسماؤهم في البرنامج الرئيسي للمعرض ففي ندوة مناقشة كتاب «25 حرب اللاعنف وعلاقتها بالفوضى الخلاقة» الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة للباحث عبدالقادر الهواري، تغيب كل من الدكتور عبدالجليل مصطفى، المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير والدكتور عمار علي حسن واللذين كان مقررًا لهما مناقشة العمل فتم الاستعانة بشكل سريع ومفاجئ بالدكتور أحمد بهاء الدين شعبان واللواء سامح سيف اليزل. أيضا تخلف عن الحضور كل من المطرب علي الحجار، والدكتور يحيى الرخاوي، والشاعر سيد حجاب وهم المتحدثون المقررون للندوة التي عقدت للاحتفاء بصدور الأعمال الكاملة للشاعر الكبير الراحل صلاح جاهين واقتصر الأمر على مشاركة الشاعر محمد سيف فقط وأدارها أحد موظفي الهيئة. نفس الأمر في الندوة التي عقدت تحت عنوان «المدونات بين السياسة والأدب» كان من المفترض أن يتحدث فيها 17 مشاركًا من شباب الثورة إلا أن أربعة فقط هم من حضر اللقاء وتغيب الباقون، وكان من بين الضيوف الذين شاركوا بالفعل في الفاعلية اثنين غير مذكور اسماهما في البرنامج الرسمي لأنشطة المعرض. تأجيل وإلغاء بالإضافة لغياب الضيوف عن حضور الندوات شهد المعرض أيضًا إلغاء عدد من الندوات التي ذكرها برنامج المعرض مثل (ندوة شعراء الميدان) وندوة (شعراء مصر في الأقاليم) بدعوى عدم استكمال التجهيزات الفنية في المخيم والحقيقة هي اعتذار الضيوف بالكامل عن الحضور وهم خليل عز الدين، سالم الشهبانى، محمد جودة، محمد فرغلي، نور الدين جمال، وهبة عصام كذلك تم إلغاء ندوة (شهادات روائية) لاعتذار المتحدثين عن الحضور وهما الروائي يوسف القعيد والأديب عبدالحليم حيدر أيضا تم إلغاء عدد من الندوات لعدم تواجد الجمهور الذي انشغل بأحداث التحرير عن حضور ندوات المعرض. ثورة.. ثورة أبدى عدد من المترددين على ندوات المعرض استياءهم لتحول كل الندوات للكلام عن الثورة دون تخصيص ندوات لمناقشة قضايا الثقافة العربية وهو الهدف الأساسي لمعرض الكتاب حتى الأمسيات المخصصة للاحتفاء برموز الشعر والأدب والثقافة تجاهل المتحدثون فيها الكلام عن صاحب الأمسية وتحدثوا عن الثورة وذكرياتهم معها حدث ذلك في أمسية الشاعر الكبير (محمود سامي البارودي) حيث شارك فيها بعض الشعراء المصريين بالإضافة إلى شاعرين من الإمارات هما إبراهيم محمد إبراهيم وعلي الشلال وقام كل متحدث بسرد ما ألهمته الثورة من أشعار. كما شهدت بعض الندوات مناقشات حادة بين الجمهور والمتحدثين أو بين الجمهور بعضهم بعضًا، وقد تطورت المناقشة أحيانًا إلى مشادات كلامية اعتراضًا من البعض على الهجوم على المجلس العسكري والدعوات التي تطالب بتسليم السلطة لمدنيين وكذا تعريض بعض المتحدثين بفوز التيارات الإسلامية في البرلمان وانتقاده لفكرهم السياسي مما أدى إلى الانقسام بين جمهور الندوة بين مدافع ومعارض. استعدادات هزيلة على الرغم من أن تاريخ بداية إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب ترجع لعام 1969 إلا أن على مدار هذه السنوات تتكرر الشكوى دون العمل على حلها، حيث ما زال عدم التنظيم الجيد لمعرض دولي كبير بحجم معرض القاهرة للكتاب الذي جاء هزيلًا، هذا بالإضافة إلى انخفاض عدد الكتب المعروضة هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، انخفاض منافذ التسويق كما أن أغلب المنافذ واجهت صعوبات في عرض كتبها لعدم التنظيم الجيد. مبارك وسوزان القائمون على هيئة الكتاب وهي الجهة المنظمة للمعرض خصصوا أغلب الندوات للحديث عن ثورة 25 يناير وحسنات التخلص من نظام مبارك وتأييد الهيئة للثورة التي غيرت وجه مصر ومع كل هذا الاحتفاء بالثورة ورغم ذلك نجد أن الكتب التي تتصدرها صور مبارك وزوجته وتتحدث عن إنجازاتهما تتصدر المطبوعات المعروضة داخل جناح هيئة الكتاب مثل كتاب بعنوان (مبارك.. 15 عاما للمستقبل). الأمطار والخيام الاستعجال في تنظيم المعرض أدى إلى وجود قصور شديد في الإمكانيات وعدم وجود استعدادات وتأمينات للأجنحة من تعرضها للأمطار خاصة وأنه من الطبيعي جدا هطول الأمطار في شهر يناير كما يحدث كل عام مما تسبب في مشكلة كبيرة للناشرين، حيث أتلفت كتبهم جراء الأمطار الشديدة التي استمرت في الهطول لساعات. المملكة الأبرز وتعد المملكة هي الدولة الأبرز والأضخم من بين كافة الدولة ال(29) بما فيها الدول الأجنبية ويبقى جناح المملكة متفردا داخل أرض المعارض ليس فقط في فخامة جناح العرض ولكن أيضا للتنظيم وحجم الكتب والعناوين التي تشارك بها كل مؤسسة، هذا بالإضافة الى خفض الأسعار لتكون في متناول الجميع وكل عاشق للثقافة العربية. تأتي دولة الإمارات في المرتبة الثانية عربيا من حيث المشاركة وإن كانت أقل من الأعوام الماضية ثم تليها دولة ضيف الشرف تونس الغريب أن دولة الكويت جاءت مشاركتها هذا العام على استحياء شديد حيث تشارك بجناح متواضع نسبيا ممثلة في جهة حكومية واحدة هي جامعة الكويت فقط. وتقول الشيخة سهيلة فهد الصباح مدير تحرير مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية ومديرة جناح مجلس النشر العلمي التابع لجامعة الكويت بمعرض القاهرة للكتاب شرفت بالسفر للمملكة للحج فقط مرتين وهي دولة جميلة تتميز في كل شيء بالجمال والرقي وتشهد تقدما في كافة المجالات خاصة العلمية والثقافية والسعوديين محبون للعطاء والخير ويكفي أن تزور جناح المملكة في معرض الكتاب لتدرك هذا الأمر وهذا يدل على حرصهم على تقديم بلدهم بمظهر حضاري وراقٍ وبشكل ثري ويمنحون الاهداءات المتنوعة المجانية لكل زائر للجناح سواء من مصاحف والهدايا القيمة التي تعبر عن روح وأصالة السعودية. سوق خضار وتشير الصباح إلى أن جناح جامعة الكويت يحتوي على عناوين جديدة من الكتب والمؤلفات في مختلف تخصصات العلم والمعرفة وأبرز الإصدارات الحديثة هذا إضافة إلى دوريات جامعة الكويت المعروفة كمجلة العلوم الاجتماعية ومجلة الحقوق ومجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية والمجلة العربية للعلوم الإنسانية والمجلة التربوية والمجلة العربية للعلوم الإدارية وحوليات الآداب والعلوم الاجتماعية ومجلة الكويت للعلوم والهندسة ومجلة الشريعة والدراسات الإسلامية. وتضيف الشيخة سهيلة قائلة: السبب في محدودية مشاركة دولة الكويت الأوضاع الراهنة في مصر وكذلك الخوف من عدم الإقبال الجماهيري والسبب الأهم انشغال الشعب الكويتي بانتخابات مجلس الأمة. واشتكت سهيلة من وجود أخطاء كثيرة في النواحي التنظيمية للمعرض فهناك عدد كبير من المترددين على الجناح يقولون نحن تجولنا في كل المعرض لنصل إلى جناحكم فالمكان غير معروف وقد صعب الأمر على الجمهور عدم وجود إرشادات أو لوحات إرشادية أو خريطة لأجنحة المعرض ولا يوجد مسؤولون لتوجيه جمهور المعرض للأجنحة التي يريدونها لدرجة جعلتني أشعر أنني في سوق خضار وليس في معرض كتاب. أدب محفوظ وثورة يناير ضمن فعاليات «الاحتفالات الثقافية» بمعرض القاهرة الدولي للكتاب احتفل المعرض بعميد الرواية العربية نجيب محفوظ.. وقد تزامنت الاحتفالية مع مضي فترة بسيطة على مئويته التي لم يتسن الاحتفال بها كما يجب لظروف الثورة المصرية.. شارك في الاحتفال: يوسف القعيد، وحسين حمودة، ومحمود قاسم وأدارها خالد عاشور. أدار اللقاء حول عدة محاور هي: موقف نجيب محفوظ من الثورات عموما ومن ثورتي 1919 وثورة يوليو 1952 بشكل خاص، وثورات مصر في أدب نجيب محفوظ، وتقاطع الفيلم مع روايات نجيب محفوظ في الثورة والسياسة. في البداية أكد الدكتور خالد عاشور أنه مهتم بأدب العميد الراحل، وكتب عنه عدة كتابات كما أنه أعد رسالته للدكتوراه عن نجيب محفوظ.. وقال في تقديمه للندوة أن توقيتها يتقاطع مع حدثي الثورة ومئوية نجيب محفوظ والتي لم يتسن لها أن تأخذ قدرها. وأشار إلى أن أحداث الثورة في أدب محفوظ لها مكانة خاصة وأهم ما يخرج به قارئه أن أدب هذا الرجل وثيقة بالمعنى الحرفي للكلمة فقد كان محقًا من شبهه بالأديب الإنجليزي تشارلز ديكنز في كتابتهما لأدب الوثيقة والذي يمكن الرجوع إليه لمعرفة حقبة اجتماعية معينة كثورة 19 التي عايشها صبيًا ثم ثورة الضباط الأحرار في يوليو 1952 والتي تنبأ بكثير من أحداثها. وعن موقف نجيب محفوظ من الثورات عموما ومن ثورتي 19 و52 بشكل خاص تحدث د.يوسف القعيد قائلا: الثورة في أدب نجيب محفوظ حاضرة، نجدها ونحن نقرأ بورتريهات «المرايا» من خلال عدة شخصيات عرضها، فالمظاهرات والاعتصامات والشهداء يملئون المرايا، كذلك «حكايات حارتنا» و»أصداء السيرة الذاتية» و»ثرثرة على النيل» يستحضر من خلالها أول ثورة حصلت في العهد المصري القديم ويقول أن ما قدمه في ذلك الوقت كأنه نبوءة لسنة 1967. مصر والمصريون في عصر مبارك اعتبر المفكر السياسي وأستاذ الاقتصاد الدكتور جلال أمين في الندوة التي نظمت لمناقشة كتابه «مصر والمصريون في عصر مبارك» أن السؤال الذي يتردد في أذهاننا جميعا هو إلى أين نحن ذاهبون، ورأى أنه من الصعب الإجابة عليه، إلا أنه أشار إلى أن مشكلتنا في أننا نتحدث بافتراض أن مصر بمعزل عما يحدث في العالم. وقال أمين إن مصر طيلة تاريخها هي الدولة الأكثر تأثرا بما يحدث في العالم لأسباب جغرافية وثقافية وتاريخية، لافتا إلى أن مصر كانت في أفضل أحوالها أثناء وجود توازن بين قوى عالمية، مثل نهضة محمد علي باشا التي بدأت في وجود توازن بريطاني فرنسي، وبداية التصنيع مع الرئيس السابق جمال عبدالناصر في وجود توازن أمريكي روسي. مضيفًا بالإشارة إلى أن هناك توازنا عالميا صاعدا، ولا يمكننا أن نتجاهل ما يحدث في آسيا، من بزوغ قوى اقتصادية جديدة، مشيرا إلى أن الاقتصاد الأمريكي برغم أنه الأكبر إلا أنه يعاني تداعيات الركود، وهذا ما يبشر بإمكانية الصعود في مصر. وتابع: إن الشباب المصري أصبح مختلفا ويحمل صفات التغيير، واعتبر أن التغيير لا يحتاج لوقت وإنما يحتاج لنية صادقة ووسائل لتحقيقه، لافتا إلى أن كل الحلول مطروحة ومتاحة، وليس هناك أي داعٍ لوجود مجلس استشاري أو غيره لأن الآراء والأفكار تطرح الآن عبر الإعلام، مثلما يقول العرب: الحق بين والباطل بين. وحول كتابه الذي صدر عام 2009 وأعيد طباعته في 2011 «مصر والمصريون في عصر مبارك»، قال إنه كان حريصا كل الحرص على ظهوره قبل وفاة مبارك، حتى لا اتهم بكتابته بعد رحيله، مشيرا إلى أنه يتناول سمات عصر مبارك من الفقر والدولة الرخوة التي تخرق القانون لصالح طبقة أصحاب المصالح. وقارن المفكر جلال أمين بين الفقر في عصر مبارك والفقر قبل هذا العصر، وقال إن الناس أصبحوا يشعرون بالذلة والمسكنة في عصر مبارك، بعد أن أغلقت فرص الصعود الاجتماعي، لافتا إلى أن البطالة تتزايد باضطراد منذ عام 1986. وقال إنه مجرد ما نبدأ في السير في الطريق السليم، وتطوير الاقتصاد والتعليم والإعلام سيسود شعور بالبهجة والتفاؤل، فنحن لن نحتاج إلى سنوات طويلة وإنما نحتاج لأسبوع واحد لكي نبدأ العمل. واعتبر أن عدم التعاطف مع الثوار الشباب حاليا من جرائم عصر مبارك، فالمصريون أصبحوا أمتين بنمطي تفكير مختلفين، كما رأى أن دعم الغرب للإسلاميين قد يكون بغرض تجزيء المنطقة بحسب المذاهب الدينية، وتبرير التحالف ضد إيران، كما أن الحديث عن الخلافات المذهبية والفقهية هو لشغل الناس بأشياء بعيدة عن النهضة. وعن الحلول الاقتصادية للصعود بالاقتصاد المصري، قال أمين إن الحل هو تطعيم الفلسفة الاقتصادية الناصرية بتجربة العالم المفتوح، فعلينا ألا نستغني عن القطاع العام الرابح وألا نطيع روشتة صندوق النقد الدولي للنهاية، كما علينا ألا ننغلق على أنفسنا ونتبنى نظام التخطيط، لافتا إلى أن ماليزيا لم يكن لديها عقدة من القطاع العام. وقال إن إصلاح الاقتصاد يبدأ بإصلاح الأمن، ورأى أن تطبيق العدالة الاجتماعية ليس وقته الآن وعلينا أن نشجع القطاع الخاص لكي ينهض، مع مساعدة الفقراء وتوظيفهم.