تفقد مدينة جدة ذاكرتها المعمارية بوتيرة سريعة تحت وطأة انهيار مبانيها التاريخية بفعل الحرائق، وتتعدد المبررات المقدمة من الجهات المسؤولة عن أسباب الحرائق إلا أن الحلول تبقى بعيدة المنال ومسلسل فقدان المباني التراثية تبدو نهايته بعيدة وآخر حلقاته كانت الأحد الماضي في حريق تعرض له مبنيان تابعان لوقف عائلة المتوفى الملاصق للبلدية التاريخية. ومن المفارقات أن يتحول مبنى بلدية التاريخية الجهة المسؤولة عن حماية المباني التراثية، إلى مستودع وخلية نحل لعمال الأمانة الذين يقومون بتكديس البضائع في حقائب وصناديق كرتونية بالفناء الداخلي لمقر البلدية، وهو ما رصدته «المدينة» خلال تغطيتها للحريق الأخير وأوضح رئيس بلدية المنطقة التاريخية بجدة المهندس سامي نوار أن أسباب وجود هذه المواد بفناء البلدية إلى أنها جزء من بضائع صودرت من الباعة الذين يفترشون الأرض في المنطقة التاريخية وكشف مدير الدفاع المدني بمنطقة مكةالمكرمة العميد عبدالله جداوي عن علمه بما يجري من عمليات تخزين في بلدية التاريخية، واصفا إياها بالمؤقتة، فيما حمل خبير آثار نقص الوعي لدي الملاك والجهات المسؤولة سبب تحول مبان تراثية هامة إلى مستودعات. وأشار م.نوار في رده علي سؤال ل»المدينة» عن مدى خطورة هذه المواد المخزنة القابلة للاشتعال علي سلامة المبني وما قد تتسبب فيه من نشوب حريق، إلى أن عملية التخزين مؤقتة وأن موظفي البلدية يقومون بإجراءات توثيق وتسجيل المواد المصادرة قبل تسليمها لوزارة المالية للتصرف فيها، مؤكدا بأن العملية كلها لن تستغرق أكثر من يومين، واعدا بتسليم بلدية التاريخية جميع المواد المخزنة مع انتهاء دوام (الثلاثاء) الماضي موضحا أنه لا عوائق في هذا الصدد خصوصا مع استلام وزارة المالية خطاب التسليم. وكان المهندس نوار صرح ل «المدينة» في وقت سابق أن ما يقارب من 100 مبنى تاريخي انهار كليا أو جزئيا منذ بداية القرن الهجري الحالي، كان أقساها علي عشاق التاريخ انهيارات في 7 مبان دفعة واحدة خلال حريق في حارة الشام بدايات العام 2010، فيما رفع حينها م.وديع أبو الحمايل الرئيس السابق لبلدية البلد عدد المباني المنهارة في هذا الحريق إلى 12 مبنى، وبذلك يكون من 12 إلى 17 مبنى تضررت في العامين الأخيرين نتيجة لحرائق أي ما نسبته 12% إلى 17% من مجموع المباني المتضررة منذ 32 عاما. يذكر أن مقر البلدية يعد أقدم المنازل التاريخية في محافظة جدة بحسب أحد المصادر التاريخية، ويطلق عليه منزل «أبو دحيلس» ويضم بيت «البسيوني» والذي يضم وقف الفلاح وبيت أبو صفية و«الحوش» الرابط بينهما.