أكد الدور الاقتصادي للشركات العائلية.. وزير الاستثمار: 3 تريليونات دولار قيمة سوق المال السعودي    رعى منتدى القطيف..أمير الشرقية: الحراك التنموي والاستثماري يجسد دعم القيادة وقدرات أبناء الوطن    تحت رعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. انطلاق «أبشر 2025» و«أبشر طويق» في ديسمبر    المملكة.. مفتاح الرخاء    «حماس»: ملتزمون ب«السلام» ولا علاقة لنا بحادث رفح    وسط تصعيد عسكري وتحذيرات من الرد على أي خرق.. إسرائيل تعلن استئناف وقف النار في غزة    «شرطي» يقتل زوجته السابقة وينتحر    لقاء ثلاثي لتطوير العلاقات بين المملكة وسوريا وكوسوفا.. ولي العهد يبحث مع قادة دول ومسؤولين تعزيز التعاون    في الجولة السابعة من دوري روشن للمحترفين.. ديربي يجمع الهلال والشباب.. والنصر يستضيف الفيحاء    بعد سحب القرعة.. مواجهات قوية في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين    أفراح الصعيدي وبالعمش    كسوف كلي يظلم العالم عام 2027    مختص: «السماك» يزين سماء السعودية ل13 يوماً    الثقافة تقبل 10 باحثين ضمن منحة الحرف    راشد الماجد يطلق أغنيته الجديدة «من عرفتك»    دروات موسيقية ل 90 طالباً في جدة    21% نموا برواتب الأنشطة المعمارية والهندسية    %2 ارتفاعا بالذهب    المملكة وباكستان.. شراكة وتحالف استراتيجي    "الخدمات الطبية" بوزارة الداخلية تستعرض تجربة صحية متكاملة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم الحج    مختصون يطالبون بتطبيق التجربة الصينية    دخول خدمات الرعاية الصحية الرقمية للأسواق العالمية انعقاد ناجح لمعرض خدمات تشيجيانغ (السعودية)    إكسبو: الرياض تدعو العالم أن يكون جزءاً من الحدث العالمي    المرافق العامة مرآة الوعي    التعليم بين الاستفادة والنمذجة    مطالبات بتشديد رقابة مقاصف المدارس    العطاء فطرة سعودية    عوار: شخصية الاتحاد حسمت الفوز أمام النصر    الهلال يتسلم طائرته ويستعيد سالم    النصر مع «أغلى الكؤوس».. العقدة مستمرة للعام ال36    مركز التميّز للعيون.. نموذج وطني متكامل    أمير جازان يطلع على سير العمل في المحاكم والدوائر العدلية    برعاية وزير الثقافة.. "روائع الأوركسترا السعودية" تعود إلى الرياض    تدشين موقع الأمير تركي الفيصل.. منصة توثيق ومساحة تواصل    هيئة التراث: أطر قانونية وتعاون دولي لصون الإرث الإنساني    استعراض منهجية «الإخبارية» أمام فيصل بن بندر    إنزال الناس منازلهم    أمير تبوك يستقبل مدير الأحوال المدنية    إسرائيل تعلن استئناف وقف النار وحماس تتهم واشنطن بالانحياز    لماذا الشيخ صالح الفوزان    دارفور تتحول إلى مركز نفوذ جديد وسط تصاعد الانقسامات في السودان    إلزام المبتعثين بتدريس الصينية    منافسات سباقات الحواجز تواصل تألقها في بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ 2025    أمير منطقة جازان يستقبل مواطنًا لتنازله عن قاتل والده لوجه الله تعالى    300 طالبٍ وطالبة موهوبين يشاركون في معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي في الدمام    السعودية ترحب بإعلان سوريا اعترافها بجمهورية كوسوفا    هيئة الأمر بالمعروف بجازان تفعّل معرض "ولاء" التوعوي بمركز شرطة شمال جازان    "GFEX 2025" تستعرض أحدث تقنيات الطب الشرعي    "رهاني على شعبي" إجابة للشرع يتفاعل معها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان    العويران: نصف الرياضيين يعزفون عن الزواج.. "يبحثون عن الحرية بعيدًا عن المسؤوليات"    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضخماً من البنكرياس ويعيد بناء الوريد البابي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يُجري الفحوصات الطبية للملاكمين المشاركين بنزالات موسم الرياض    فترة الإنذار يالضمان الاجتماعي    ولادة توأم من بويضات متجمدة    العلماء يحذرون من الموز في العصائر    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير شرطة المنطقة    أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء في المنطقة    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصناعات الثقافية
نشر في المدينة يوم 25 - 01 - 2012

حسب اليونسكو الصناعات الثقافية -ويطلق عليها كذلك الصناعات الإبداعية- هي صناعات تنتج وتوزع السلع الثقافية والخدمات الثقافية.
أما السلع الثقافية فهي سلع استهلاكية تنقل الأفكار وأساليب العيش، تتمثل في الكتب والمجلات والمنتجات المتعددة الوسائط وبرامج الحاسوب والتسجيلات والأفلام وشرائط الفيديو والبرامج السمعية البصرية والحرف والأزياء.
وأما الخدمات الثقافية فهي خدمات تهدف إلى تلبية الاهتمامات والاحتياجات الثقافية. وهذه الخدمات لا تمثل سلعًا ثقافية مادية بحد ذاتها، إنما هي تيسر إنتاجها وتوزيعها. وتشمل الخدمات الثقافية على سبيل المثال: أنشطة الترخيص، وغيرها من الخدمات المتعلقة بحقوق المؤلف، وأنشطة توزيع السلع السمعية البصرية، وتعزيز فنون الأداء والمناسبات الثقافية، فضلًا عن الخدمات المتعلقة بالمعلومات الثقافية وحفظ الكتب والتسجيلات والصناعات الحرفية ( في المكتبات ومراكز التوثيق والمتاحف).
وتزدهر الصناعات الثقافية في عصر اقتصاد المعرفة الذي نعيش فيه، والذي تنشأ فيه علاقة وثيقة بين الاقتصاد والثقافة، وينطوي ذلك على "الاستخدام الاقتصادي للثقافة" وهو ما يعني أن يزداد توجه الثقافة لكي تصبح سلعًا تجارية، و"الاستخدام الثقافي للاقتصاد" وهو ما يعني أن يزداد دور المحتوى الثقافي في تشكيل إنتاج السلع.
إن الصناعات الثقافية التي كانت سابقًا منفصلة نظرًا لنظم إنتاجها المتماثلة (كصناعة الأفلام والتلفزيون والتصوير والطباعة)، أصبحت اليوم مجتمعةً في شكل رقمي، ولم يعد في الإمكان تمييزها عن بعضها في كثير من الأحيان. فقد غيرت التكنولوجيا الرقمية نمط الإنتاج وأسلوب نشر المنتجات الثقافية إلى حد بعيد، كما هو الحال اليوم في عالم الإنترنت الذي بات يستخدم أكثر فأكثر في نشر هذه المنتجات الثقافية المرقمنة.
وانفتح المجال أمام طرق مختلفة لاستغلال المواد الثقافية التي لم يؤخذ في الاعتبار -حتى اليوم- أن يتم استغلالها بصورة اقتصادية. فكثير من الدول تضم أشكالا مختلفة من المواد الثقافية في شكل متاحف ومعارض وما يتعلق بها من مؤسسات، وتُعامل تلك الأشكال كأصول عامة تستنزف أموالا ضخمة للمحافظة عليها وتطويرها، كما يتم معاملتها أحيانا كموارد تعليمية نفيسة. ولا توجد النية -في غالب الأمر- للتفكير فيها كأصول اقتصادية قيِّمة يمكن استغلالها كأحد عناصر اقتصاد الدولة. وهو أمر في سبيله لأن يتغير مع اندماج القدرات المبهرة للوسائل الإعلامية الجديدة مع هذه الموارد الثقافية. إن رقمنة تلك المنتجات الثقافية - التي ينظر إليها حتى اليوم على أنها ذات قيمة محدودة- وتحويلها إلى سلع، يمثل عملية إعادة تدوير recycle لها لإنتاج صناعات ثقافية جديدة.
وقد حقّقت الصناعات الثقافية أو الإبداعية، ثروات هائلة للعديد من اقتصادات الدول الغربية، ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؛ وكذا اقتصادات دول شرق آسيا، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا.. إلخ. إذ يشير تقرير برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي بالتعاون مع "الأونكتاد"-المنظمة المتخصّصة بشؤون التجارة والتنمية الدولية- الصادر في ديسمبر 2010، إلى أن الاقتصاد الإبداعي للصين تفوّق وبفارق كبير على كلّ اقتصادات الإبداع العالمية الأخرى، فقد استحوذ خلال المدة من 2002 إلى 2008 على 21.6% من السوق الدولية، بينما جاء ترتيب الولايات المتحدة، وخلال المدّة عينها، في المرتبة الثانية، حيث استحوذت على8.4% من هذه السوق.
ويركّز التقرير المذكور على أن الاقتصاد الإبداعي بات هو الاقتصاد الأكثر ثباتًا واستقرارًا بخاصة بعد تداعيات الأزمة المالية العالمية، إذ تضاعفت صادراته في العالم خلال المدة من 2002 إلى 2009 لتصل إلى 712 مليار دولار.
وبلغت القيمة المالية لاقتصاد الإبداع حوالى 3.1 تريليونات دولار في 2005، وفي العام 2007 بلغت 4 تريليونات دولار وفي العام 2009 بلغت نحو 7.1 تريليونات دولار وهي تنمو بمعدل 8% سنويًا.
ويفيد د. كيرك ف. غارنر الخبير الاقتصادي الأمريكي أنّ الناتج في الاقتصاد الإبداعي توزّع في الفترة بين العام 2005 وحتى أواخر العام 2010 وفق الآتي: على مستوى البرمجيات 650 مليار دولار سنويًا. صناعة الأفلام 81 مليار دولار سنويًا، قطاع الموسيقى جاوز 82 مليار دولار سنويًا، وتجاوزت قيمة الصناعة المسرحية 65 مليار دولار سنويًا. أمّا الكتّب والصحف والدوريات فتتجاوز إيراداتها السنوية 232 مليار دولار في العالم.
وفي حين تشكّل الصناعات الثقافية ما بين 5.5% وحتى 10% من قيمة المنتجات في العالم، فإنها لا تشكّل قيمة تذكر في الدخل القومي العربي، وتكاد تنحصر في صناعات متوسطة وصغيرة مع بعض الاستثناءات؛ وذلك على الرغم -حسب ما جاء في إطار الإحصاءات الثقافية لليونسكو لعام 2011- من تزايد الطلب على المنتجات الثقافية الصادرة من العالم النامي، بل وفي بعض الأحيان، يتم تهجين هذه المنتجات مع تلك الصادرة من العالم المتقدم، إلا أن الدول النامية لا تتمتع بالقوة الكافية للتفاوض على العائدات المالية لصادراتها الثقافية، فيما لو تمت مقارنتها مع عائدات الصادرات الثقافية للدول المتقدمة. يعود هذا الأمر، في جزء منه إلى ضعف القدرة المؤسسية المحلية، وإلى القوة المطلقة التي يتمتع بها القطاع الصناعي القائم على احتكار القلة.
وفي تقرير أعدته مؤسسة الفكر العربي بالتعاون مع المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا ومركز دراسات الخليج أشار إلى أنه يصدر سنويًا كتاب لكل (12) ألف عربي، بينما هناك كتاب لكل (500) انجليزي، وكتاب لكل (900) ألماني، وهذا يعني أن معدل القراء في العالم العربي لا يتعدى 4٪ من معدل القراء في بريطانيا، كما أن العالم العربي لا يصنع أكثر من (35 - 40٪) من حاجتنا إلى الورق، ويستورد (65٪) في واحدة من الصناعات الثقافية الهامة.
كما أشار التقرير إلى أن عدد المدونات العربية على شبكة الإنترنت حوالي (490) ألف مدونة، وهي نسبة لا تتعدى (0.7٪) من مجموع المدونات عالميًا. كما يبلغ عدد المواقع العربية المسجلة على الإنترنت عام (2007) حوالي (41745) موقعًا وهذا لا يشكل سوى (0.26٪) من إجمالي عدد المواقع العالمية. كما يشير التقرير إلى أن مجموع الفضائيات العربية يربو على (482) فضائية والمتخصص منها (19٪) دينية و(18٪) أغاني، بينما لم تحتل القنوات الأدبية والثقافية سوى (4.8٪) منها. أما عدد الكتب التي نُشرت في العالم العربي عام (2007) فبلغ (27809) كتب تمثل الكتب المنشورة في العلوم من هذا الرقم حوالي (15٪) بينما تصل نسبة الكتب المنشورة في الأدب والأديان والإنسانيات (65٪).
من تلك الاحصائيات نستنتج أن العوائد المادية التي تعود على منتجي الثقافة العربية متواضعة والسوق ضعيفة والتشجيع والدعم مفقودان، وذلك على الرغم من قدرة الصناعات الثقافية على دعم التنمية المحلية المستدامة من خلال انعكاساتها الاقتصادية ومساهمتها في التنشيط الاجتماعي والثقافي. كما أنه لا توجد سياسات ثقافية عربية جدية تمهد لصناعات ثقافية عربية تقوم على التكامل الحقيقي بين الطاقات البشرية الإبداعية في مختلف أقطار الوطن العربي الكبير.
ولذا فلكي نبني صناعات ثقافية فإنه يجب أن يكون هناك من يدعمها ويرعاها ويبلور تطورها في شكل منتجات إبداعية. فهي تعتبر حاملة للهوية، وحمايتها ودعمها يعمل على صيانة التنوع الثقافي خصوصًا إذا زودت بوسائل تساعدها على إثبات ذاتها على المستويين المحلي والعالمي.
وتحتاج الصناعات الثقافية للعديد من المقومات التي لا تقوم إلا بها، منها البنية المؤسسية وتشمل وزارات الثقافة والاتصالات والمعلومات والهيئات الثقافية واتحادات الناشرين والكتاب وجمعيات البرمجيات ومراكز الترجمة.. الخ، كما تعتبر الكوادر البشرية المبدعة والمبتكرة والمؤهلة للعمل في كافة أوجه ومجالات وأنشطة الصناعات الثقافية هي عماد هذه الصناعة. وتحتاج الصناعات الثقافية -لكي تنتشر- إلى المجتمع الواعي لأهميتها وقيمتها بحيث يقبل عليها ويجيد استخدامها ويلم بمصادرها. وتحتاج كذلك إلى إطار تشريعي قانوني يحكم دورة بناء الصناعات الثقافية بداية من مرحلة الابتكار والإبداع وحماية حقوق المخترع والمبدع والمنتج على حد سواء، مرورًا بعمليات التنظيم والإعداد والتجهيز والتحرير وإنتاج السلعة أو المنتج الثقافي حتى تصل إلى المستفيد النهائي من خلال القنوات المناسبة للتسويق والتوزيع والإدارة المالية والشحن وغيرها. هذا فضلا عن المواد الخام والبنية الأساسية التقنية، والأجهزة والحواسيب الخادمة، وشبكة الإنترنت وذلك لأغراض التسويق والتوزيع.
نرجو أن تكون هذه الجلسة لبنة، في طريق صياغة تصور استراتيجي يقوم على قراءة الحاضر والاحتفال به ونقد سلبياته بحيث يمكن -من تكرار مثل هذه اللقاءات- أن نصل إلى منهج عمل لبناء صناعات ثقافية عربية.
--------------
(*) أستاذ دكتورالمعلومات جامعة الملك سعود وعضو مجلس الشورى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.