الطقس هو ذاك السلوك الذي يقوم به الإنسان للحفاظ على الدين، إذ إن مجرد الأفكار والتصورات لا يمكن لها أن تصنع دينًا، إلا إذا دفعت إلى سلوك وفعل. ولنقل الإنسان من الحالة الذهنية إلى الحركية، تم ابتداع الأساطير لتلعب دورها في بعث الإيمان بتلك الأفكار ومن ثم مزاولة الطقوس بشكل عملي. ينطبق الأمر في غالبه على القصص الدينية المُبدعة والأحاديث القدسية الموضوعة والضعيفة، فقد اختلقت -في البدء- رغبة في المحافظة على الطقوس وتقريب الناس إلى ربهم بتزهُدهم في الدنيا وتخويفهم من الله، معتقدين أن الدين والدنيا نقيضان، وفي الانهماك مع أحدهما إلغاء للآخر وتركه في الوراء، في حين أن الله في الحياة والحياة في الله، وإذا استطعنا إدراك الانسجام المُقدِّم في حياتنا اليومية سنكون في الطريق الصحيح دومًا. أقول: إن التشابه الملحوظ بين الأساطير والقصص الدينية لم يكُ محض صدفة، بل لتوافق الدوافع والأهداف ذلك الأثر في إيجاد النتائج ذاتها. زاد المتأخرون هدفا أفنوا في سبيله حناجرهم، محاولين المحافظة على أكبر عدد من المؤمنين بأفكارهم، ليضمنوا جمهورًا تتضاعف اللذة بالقدر الذي يتضاعف فيه الرقم، إذ يضفي الحماسة على مسرحياتهم. قادتهم هذه اللذة إلى الاختلاق حين افتقادهم لما يخلق الدهشة مستشعرين اللاذنب مادامت الغاية خدمة الدين. ثمة ما يؤكد التماثل القائم بين الميثولوجي والقصص الديني، فمن المعايير التي تميز النص الأسطوري عن غيره أنه «لا يعرف للأسطورة مؤلف معين»، وغياب المصدر بأن تجد شخصية وهمية في السند، أو انقطاعًا تائهًا في الفراغ، يعتري الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وكذا القصص الوعظية المتوشحة باللامعقول، وإن وسمهم لها ب»الواقعٌة» أو «من الواقع»، حاضر في العتبات لنفي الخيال المستفحل في كثير من قصصهم، ويستعيضون عن تلك العتبات أحيانًا ب»حدثني أحد الثقات». كما تمتعت الأسطورة بقدسية وبسلطة عظيمة على عقول الناس ونفوسهم «فقد حظيت بالمقابل القصص الدينية -لاسيما- في فترة الصحوة بهذه القداسة لحد الاكتفاء بها عن أيٍ من البراهين العقلية، بغية التأثير في الناس، وقد استطاعوا -بعزفهم على وتر العواطف والانفعالات- جذب كمٍ هائلٍ إليهم. أخلص إلى أن الإيمان بالوهم يحجب رؤية الحقيقة ويقود إلى الدمار وهلاك الإنسانية، فما نزوع الإنسان إلى التفجير وعمليات الانتحار إلا نتيجة لاعتقاد خاطئ تنامى مع انثيال القصص الملهبة للعواطف، والأفكار المؤدلجة على عقله، وهو ذات السبب الذي قاد آلاف الألمان إلى الموت في بطاح روسيا الثلجية، إذ تغلغل لديهم الإيمان بأساطير واهية، ك»أسطورة العرق الآري المتفوق». ولعلي أسأل ما هو الحال لو آمنت البشرية بحقيقة السلام، وأن الأرض للإنسان دون تمييز بين عرق أو فئة وأخرى؟ (*) جامعة جازان - يحضر للماجستير