الصحة أهم اهتمامات الإنسان وأكثرها إلحاحًا ومطالبة بالنسبة له؛ لأنه قد يقبل بعدم توفر بعض الخدمات العامة لكنه لا يزايد على صحته، وفي المقابل فإن المعاناة مازالت قائمة -رغم المشاريع التطويرية المختلفة- لتدني مستوى الخدمة الطبية ونقص الأسرّة وطول المواعيد والأخطاء الطبية. وفي مكةالمكرمة تكاد تكون هذه المشاكل مضاعفة بسبب الزيادة العددية في موسمى الحج والعمرة الذي أصبح يمتد أغلب فترات العام. وللاقتراب أكثر من هذه المعاناة والشكاوى تفتح "المدينة" هذا الملف عن الخدمات الصحية بمكةالمكرمة، ونبدأ من مدينة الملك عبدالله الطبية الحلم الكبير الذى عاشه أهالى مكةالمكرمة، لكنهم لم يشعروا به كثيرا، على الرغم من ظهوره على أرض الواقع منذ عام ونصف. وفيما تعددت الأسباب لتتراوح بين الأجهزة المعطلة ونقص الكوادر وإغلاق بعض الأقسام، فإن ثمة معاناة أخرى تعاني منها المدينة هي وقوعها في مجرى وادٍ وصعوبة الاستفادة من كوادر طبية غير مسلمة لوقوع المدينة داخل نطاق حدود الحرم. كان أهالي مكة ومازالوا يحلمون بوجود منشآت طبية حديثة ومتخصصة ومتطورة يداوون فيها مرضاهم بما يكفيهم مؤونة الذهاب إلى مستشفيات جدة في ظل الزحام الشديد والمشكلات التى يعانى منها مستشفى النور ومستشفى أجياد ومستشفى الملك عبدالعزيز وغيرها، وتواضع بعض مستشفيات القطاع الخاص، وحين تم الاعلان عن انشاء مدينة طبية بمكةالمكرمة تنفسوا الصعداء وقالوا اخيرا تحقق الحلم لكنهم صدموا بحجم منشآت المدينة ثم بتأخر التشغيل وبطئه وضعفه، وهي عوامل اثارت في نفوس اهل مكة شيئا من الصدمة ولكن ما بأيديهم غير ان يواصلوا حلمهم. ولم يبدأ التشغيل الفعلي للمدينة، الا منذ عام ونصف بالرغم من افتتاحها منذ اكثر من عامين كما لم تصل الى طاقتها الاستيعابية البالغة 1500 سرير حتى الآن بل تعمل بنصف العدد تقريبا. وافادت مصادر طبية بوجود تخصصات طبية لم تعمل بعد رغم توفر اجهزة ذات تقنية عالية إما لقلة الكادر الطبي أو لعدم وجود كفاءات، مشيرة الى ان وقوع المدينة داخل حدود الحرم يجعل من الصعب الاستعانة بكوادر من غير المسلمين لتشغيل الاجهزة المتطورة. ولعل هذا هو السبب نفسه الذي ادى الى قرار نقل المدينة خارج منطقة الحرم مؤخرا. وقالت المصادر إن المدينة نجحت في استقطاب بعض الكوادر برواتب عالية إلا انها بدأت تفقد بعضها بسبب الاستقالات أو لعدم الرغبة في التجديد، مشيرة الى ان من ابرز مشاكل المدينة قلة الكوادر الفنية من ممرضين وفنيين مما ادى الى وجود اجنحة خالية. وبحسب المصادر فإن الخلافات عصفت بالمدينة منذ وقت مبكر وبالذات فيما يتعلق بالعلاقة ما بين اسقلالية المدينة الطبية وارتباطها بالشؤون الصحية، ولعل ذلك اثر في العلاقة وفي تحويل المرضى من الشؤون الصحية الى المدينة وهذا ما اكده تقرير حقوق الانسان. ويمكن للمتابع ان يرى ان من نتائج هذه الخلافات اعفاء مدير المدينة الطبية السابق وتعيين مدير جديد، وارتباط المدينة بمستشفى النور التخصصي واعادة مستشفى النور الى ملاك الشؤون الصحية بالاضافة الى بقاء شبح السيول يهدد موقع المدينة. مدينة طبية بحجم مستشفى وتثور التساؤلات بشأن حجم وتصاميم المدينة، وفي هذا الاطار تكشف المصادر ان موقع المدينة الطبية وتصاميمها الانشائية لم تكن اساسا معدة كمدينة طبية وانما لمستشفى منى الجديد ويتبين ذلك من خلال المساحة القائمة عليها المدينة؛ إذ لا تقارن بالمساحات الممنوحة للمدن الطبية وبالتالي فهي لا تستوعب كافة المباني التي تنشأ كملاحق ومراكز واسكان، ولعل ذلك اثر بشكل مباشر في عدم الاستفادة الكاملة منها كمدينة طبية متكاملة. كما ان من الملاحظات والمعوقات التي واجهت المدينة وقوعها في مجرى وادٍ وفقا لتقرير اعده الدفاع المدين بالعاصمة المقدسة، وقد داهمتها السيول قبل اكثر من عام من الناحية الشرقية واستقرت في حديقة سكن الممرضات في ظل عدم وجود مناهل وقنوات تصريف مما حدا بمسؤوليها الى الغاء البدروم الخاص خوفا من مداهمات السيول مرة ثانية. مواطنون يجهلون دور المدينة من جهة اخرى كشف استطلاع اجرته "المدينة" عن جهل عدد من مواطني مكةالمكرمة بخدمات مدينة الملك عبدالله الطبية وعدم المامهم بما يقدم من خدمات صحية كبرى ومعاناة آخرين من جراء عدم تمكنهم من الاستفادة من خدمات المدينة، مشيرين الى ان مراجعاتهم لا تتجاوز المستشفيات المعروفة بمكةالمكرمة كمستشفى اجياد العام وحراء والنور التخصصي ومستشفى الملك عبدالعزيز ومسشتفى الملك فيصل. بداية يقول المواطن محمد القرشي: لا اعلم عن مدينة الملك عبدالله الطبية الا من خلال الصحف، ولم ادخلها منذ انشائها ولا اعلم عن خدماتها الطبية فإذا كانت تقدم خدمات علاجية ذات مستوى عالٍ فلِمَ لا يحول مستشفى حراء العام اختي المنومة لديهم منذ فترة تصارع المرض إليها؟ وتساءل القرشي عن عدم الاهتمام الاعلامي بما تقدمه المدينة من خدمات طبية عالية. وقال إن عتبنا على الاعلام الذي لم يلفت انتباهنا لهذه الخدمات اضافة الى ان المدينة لم تقدم نفسها وخدماتها لاهالي مكةالمكرمة اعلاميا حتى نسعد بتلك الخدمات التي وفرتها الدولة في هذه المدينة التي تحمل اسم مليكنا الغالي. وناشد المسؤولين في وزارة الصحة بإعطاء اهل مكةالمكرمة مساحة اكبر للاستفادة من خدمات المدينة. واشار احمد بن غرم الله الى ان صعوبة فتح الملف في مدينة الملك عبدالله الطبية صرف اهل مكة للذهاب الى خارجها للبحث عن العلاج. وقال: نسمع بإمكانات طبية عالية بهذه المدينة لكن استفادتنا منها قليلة لاسباب منها صعوبة التحويل اليها الا بعد المرور بالمركز الصحي ثم مستشفى الدرجة الثانية ثم مستشفى الدرجة الثالثة. وامام هذه المعوقات يذهب البعض من اهل مكةالمكرمة الى مراكز اورام خارجها فيفتحون فيها ملفاتهم بسهولة وينتظمون في مراجعاتهم رغم ما يقاسونه من امراض. وابدى ابراهيم المجنوني اسفه لعدم استقبال المدينة الطبية لحالته الامر الذي جعله يتجه للعلاج خارج المملكة ب 18 الف ريال. وقال اصبت بمرض في اذني فذهبت لمستشفى النور التخصصي وراجعته عدة مرات واخيرا طلبت تحويل لمدينة الملك عبدالله الطبية لكن لم يتم تحويلي فذهبت بنفسي الى المدينة وحاولت فتح ملف فرفض طلبي بحجة انه لابد من وجود تحويل وعندما يأست سألت عن الطبيب المعالج في المدينة الطبية فعرفت انه يداوم ايضا باحد المستشفيات الشهيرة بمحافظة جدة، ودفعت 500 ريال فقط بمثابة كشف وطلبت منه مساعدتي في فتح ملف في مدينة الملك عبدالله الطبية وحاول معي لكن المدينة رفضت، ولذلك اضطررت للسفر الى مصر واصطحبت معي مرافقا لي يساعدني في رحلتي العلاجية التى كلفتني اكثر من 18 الف ريال والحمد لله عدت بصحة جيدة. وتساءل المجنوني إذا كنت استطعت ان ادفع تكاليف علاجي خارج الوطن فما حال من لا يستطيع اذا واجهته تلك الصعوبات. واضاف اتمنى ان نستفيد من خدمات هذه المدينة الطبية ولكن يبدو ان البيروقراطية ستظل تمنع ذلك . معاناة من الروتين أما حمدان حسن الذبياني قال: كنت اتمنى ان تتولى مدينة الملك عبدالله الطبية علاجي مما اعاني منه لكن للاسف مستشفى الملك فيصل الذي اتداوى به لم يحولني اليها بالرغم من معاناتي من آلام قوية وقد سمعت ان الوصول الى المدينة صعب جدا مما فتر من عزيمتي لمراجعتها وبقيت بمنزلي اعاني المرض امام اسرتي فهل من يستجيب لي ويحولني الى هذه المدينة ذات المستوى الرفيع. وسرد محمد علي محمد الرشيدي معاناته مع مرض القلب وعدم استقبال المدينة له وقال: تعرضت لألم في الصدر في شهر ذي القعدة من العام المنصرم وذهبت الى مستشفى خاص ودخلت العناية المركزة، وتبين ان لدي انسدادا في الشرايين واعطيت تقريرا بذلك واتجهت الى مدينة الملك عبدالله الطبية لوجود مركز للقلب على مستوى عالٍ ولكن للاسف لم اجد قبولا بها، وخوفا على نفسي اتجهت الى المستشفى الجامعي بجدة وهناك فتحت ملفا بسهولة واجريت لي عملية قسطرة ونعمت بعناية طبية فائقة. وتساءل الرشيدي: لماذا التعقيد في الدخول للمدينة ونحن بحاجة فعلية لمثل هذه الامكانات الطبية العالية التي وفرتها لنا الدولة. وناشد المسؤولين في وزارة الصحة النظر لمعاناة اهل مكة والعمل على تسهيل اجراءات دخولهم لهذا الصرح الطبي العملاق. حقوق الإنسان: المدينة تؤدى دورها على أكمل وجه كشف فريق من فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمكةالمكرمة أن المدينة تقوم بعملها على أفضل وجه، وان جزءًا كبيرًا من المشكلة التى تعاني منها يرجع الى التعقيدات في اجراءات تحويل المرضى الى المدينة محملا المسؤولية في ذلك الى الشؤون الصحية. وقال عضو الجمعية مدير مركز الدراسات بجامعة ام القرى الدكتور محمد السهلي ان المدينة مفخرة لمكة وأهلها لكن لم يستفيدوا منها بالدرجة المثلى بسبب التعقيد في اجراءات التحويل من الشؤون الصحية بمكةالمكرمة. وقال: عند زيارتنا للمدينة قبل نحو اسبوعين وجدناها على احسن حال وتؤدي عملها على اكمل وجه وبها امكانات وتجهيزات وكوادر طبية ذات مستوى عالٍ، مشيرا الى ان المدينة تقوم بمعالجة مرضى الدرجة الرابعة بعد ان يمر المريض بثلاث مراحل بدءا من المراكز الصحية ثم المستشفيات ثم المستشفيات الخاصة. واضاف: لم نسجل على المدينة أي ملاحظة بل الملاحظة التي سجلت قد تحسب على الشؤون الصحية بمكةالمكرمة حيث يواجه المواطن صعوبة في التحويل اليها. ودعا المستشفيات التي تستقبل الحالات ألا تتعسف في إجراءات التحويل. مصدر بالمدينة: رفع المدينة 4 أمتار عن مستوى الوادي للوقاية من السيول أوضح مصدر مسؤول بالمدينة الطبية أن مشكلة أخطار السيول تكمن في الجهة الشرقية من المدينة وأن الأمانة بصدد إنشاء طريق دائري حولها يحميها من مداهمات السيول ومازلنا ننتظر تنفيذ المشروع. ولفت الى اتخاذ المدينة الاحتياطات اللازمة لمواجهة أخطار السيول من خلال رفعها أربعة أمتار عن مستوى الوادي وبميول 1.3 للمتر الواحد كما تم إلغاء البدروم الخاص بالمدينة خوفا من مداهمات السيول. الدفاع المدني: المدينة تقع في مجرى أحد الأودية أكد تقرير الدفاع المدني أن مدينة الملك عبدالله الطبية تقع في مجرى أحد الأودية وضمن المواقع التي تضمنها تقريرالادارة الذي رصد جميع المواقع الخطرة. وابلغ الدفاع المدني امانة العاصمة المقدسة بشأن المدينة ليكون لديها دراية وعلم لحمايتها من اخطار السيول مستقبلا. أمانة العاصمة المقدسة: الطريق الدائري يحمي المدينة من أخطار السيول من جانبه أكد الناطق الإعلامي لأمانة العاصمة المقدسة عثمان مالي أن مشروع وزارة الشؤون البلدية والقروية لإقامة طريق دائرى بالقرب من مشعر مزدلفة سيحمي المدينة الطبية من أخطار السيول.