قال الضَمِير المُتَكَلّم: الإنسان ليس ذلك الكائن الذي فقط يأكل ويشرب، ويتكاثر، ويصحو وينام؛ بل هو ذلك المخلوق الذي يكون فِعْلًا، وليس رَدّة فِعْل؛ نعم الإنسان هو من يصنع عَملًا إبداعيًا يقدم فيه العطاء لنفسه؛ وقبل ذلك للآخرين!! الإنسان الحقيقي ليس مَن صفاته أن يَقِف متفرجًا عاجزًا أمام أحد الحواجز أو الصعوبات التي ربما اعترضت طريقه؛ ثمّ يبكي معتذرًا بالظروف، أو يرمي بعجزه على غيره!! الإنسان الناجح الفَاعل هو مَن يُكافح، ويحوّل الصعوبات والمخاطر إلى جسور للوصول لأهدافه!! هو مَن يفكر، ويُخَطط، ليصنع فُرص نجاحه بما لديه أو في محيطه من أساليب مشروعة؛ فالإنسان البارع ذلك المخلوق الذي يجعل من أدوات مَوْتِه حَيَاة!! مما قرأت وقد بعثه أحد الأصدقاء فالفضل له: حكاية أسطورية عن مدينة كان نظامها أن السكان يختارون زعيمهم ليحكمهم لمدة سنة فقط؛ ثم بعدها يتم نقله إلى جزيرة بعيدة ليعيش فيها بقية حياته بعيدًا عن الناس!! وذاتَ سنةٍ أنهى أحد الزعماء مدته في الحكم، وتمّ تكريمه، وكالعادة نقله بعض سكان المدينة بإحدى السفن؛ ليعيش في تلك الجزيرة بقية عمره؛ وفي طريق عودتهم وجدوا سفينة غارقة وبجوارها شاب ممسك بقطعة خشب؛ فأعجبهم شجاعته وقوته؛ فرشّحوه ليكون زعيمًا لمدينتهم، وأخبروه بقانون مدينتهم وأن حكمه لمدة سنة، يُلْقَى بعدها في الجزيرة المذكورة!! وهنا وبعد ثلاثة أيام فقط من حكمه؛ طلب الزعيم الشاب الجديد أن يزور تلك الجزيرة، وكان طلبًا غير معتاد، ولكن تمّ تنفيذه؛ فالأنظمة لا تمنع؛ وهناك في تلك الجزيرة رأى غابات كثيفة، وشاهد حيوانات مفترسة، وغير بعيد رأى بَقَايا جُثَث الزعماء السابقين وقد افترستهم الوحوش الضارية؛ فَفَهِم الحكاية!! عاد الزعيم وفَكَر وخَطَط، وبحث عن طريق الإبداع؛ فقرر أن يعيش حياة زهيدة في المدينة، حيث وجّه ثروته من (الزَعَامَة) في اختيار (100 من العاملين الأقوياء)، وأغراهم بالمال حيث عملوا دون كَلَل لأشهر على تنظيف تلك الجزيرة من الأشجار الكثيفة، والأهم التخلص من الحيوانات المفترسة، ثم قاموا بزرعها بالنباتات المثمرة، وكذلك نقلوا لها بعض الحيوانات والطيور الأليفة كالبقر والماعز، والدجاج والحمام، بعد ذلك شُيّد في تلك الجزيرة قَصْر، ومَرْسَى للسفن.. بعد تسعة أشهر تحولت الجزيرة المهجورة إلى مدينة فاضلة!! انتهت السنة، وحَان توديع الزعيم الشاب، فالنظام واجب التطبيق، كُرّمَ، وعلى غير عادة السابقين كان الشاب فَرِحًَا، يوزع الابتسامات!! وأجاب من سأله عن السّرّ بأن الحكمة التي يؤمن بها: (عندما تُوْلَد طفلًا في هذه الدنيا فأنت تبكي، وجميع من حولك بقدومك يضحكون؛ فَعِشْ في هذه الدنيا واعمل، وخطط، وأبدع حتى يأتيك الموت؛ وعندئذ سوف تضحك بعطائك وإنجازاتك لمجتمعك ونفسك؛ بينما جميع من حولك يبكون)!! وأضاف: (الزعماء السابقون قبلي كانوا منشغلين بالمتعة الوقتية أثناء فترة حكمهم، وكنت أنا مشغولًا بالتفكير في المستقبل والتخطيط له، حيث عَمّرت تلك الجزيرة، لتصبح جَنّة صغيرة أعيش فيها بقية حياتي بأمن ورغَد وسلام)!! نعم.. منكم أعزائي أَتَعَلّم؛ ولكن هَلّا أخذنا العبرة في عدم الاستسلام للظروف، بل تحويلها إلى نقاط قوة في صناعة حاضرنا ومستقبلنا؟! ألقاكم بخير والضمائر متكلمة. تويتر: @aljamili