على أربعة بحوث تاريخية تنوعت بين التاريخ الإسلامي في المدينةالمنورة وتاريخ المملكة العربية السعودية جاء العدد الرابع للسنة السابعة والثلاثين (1432ه/ 2011م) من مجلة الدارة الفصلية المحكمة من دارة الملك عبدالعزيز. حيث استهل العدد ببحث في تاريخ السيرة النبوية في العهد المديني للدكتور عبدالله بن عثمان الخراشي عضو هيئة التدريس بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الملك سعود جاء تحت عنوان (مواقف ابن سلول بعد الهجرة وموقف النبي صلّى الله عليه وسلّم)، حيث ضم الباحث صوته إلى الأصوات المنادية بإعادة قراءة السيرة النبوية وفق منهج جديد يطرح رؤى وتفسيرات جديدة لأحداث السيرة بعد الإيمان بالرأي المنادي بأن الدراسات والقراءات التحليلية حول السيرة النبوية لم تكتمل، وأن هناك مزيدًا من البحث والتفحص والدرس، ونادى الدكتور الخراشي بهذا الرأي من خلال بحثه الذي تصدر العدد الجديد لمجلة الدارة، وتتضح هذه المطالبة من خلال إعادة الباحث الدكتور الخراشي دراسة تاريخ (رأس المنافقين) عبدالله بن سلول بعد هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينةالمنورة حيث قام البحث المنشور على استفسار بحثي حير الباحث مفاده: بالرغم من أنّ عبدالله بن سلول معادٍ للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقام بأعمال خطيرة ومهمة ضده عليه السلام وباقي المسلمين مع ذلك عامله النبي صلّى الله عليه وسلّم معاملة متسمة بالصبر والصفح واستثنائه من أي عقاب، بل وأبعد من ذلك حين صلّى النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، واستغفر له، ومنحه قميصه ليكفن فيه؟! ومن أجل هذا السؤال المحير تتبع الباحث الدكتور الخراشي مواقف ابن سلول السلبية في العهد المدني فكانت سمتها الغدر والتثبيط والإساءة للرسول عليه الصلاة والسلام والتآمر على المسلمين والتواطؤ مع اليهود، وفي المقابل تتبع ردود فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم تجاه كل موقف لابن سلول والتفسيرات الدينية لكل ردة فعل، تلاها برؤيته للموقف وتفسيره. وعدّد الباحث جملة من مواقف ابن سلول في المدينةالمنورة المضادة للمسلمين بداية من موقفه من دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه لأهل المدينة للإسلام التي لم يحاربها ابن سلول أو يشوه عليها وبالرغم من التفسيرات التاريخية السابقة والتي استقرت في كتب السيرة النبوية إلا أن الباحث يرى أن هذه الحيادية لابن سلول كان سببها عدم تقديره للصحابي الجليل حق قدره، وعدم توقفه بما سوف تؤول إليه دعوته. كذلك تتبع الدكتور الخراشي مواقف منافقة لابن سلول في السيرة النبوية المدينية في كل من، ما بعد غزوة بدر وتواطؤه مع بني قينقاع، وفي غزوة أحد، وفي غزوة بني النضير وفي غزوة المصطلق وفي حادثة الإفك، ورصد الباحث الموقف المقابل للنبي صلّى الله عليه وسلّم في كل حادثة، إلا أن الباحث سجل تفسيره في كل موقف بناء على قراءته الخاصة. وقسم الدكتور عبدالله الخراشي أسباب ردة فعل الرسول صلّى الله عليه وسلم المتسامحة مع مواقف ابن سلول المنافقة والمتآمرة الواردة في التفسيرات السابقة إلى أسباب عامة وخاصة، فمن الأسباب العامة، أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يعامل المنافقين بالظاهر لأنهم اكتسبوا حصانة وجنة من العقاب بسبب تأديتهم للشعائر الدينية وعلى رأسها الشهادة، وأن قتل المنافقين أو احدًا منهم ضرره أكثر من نفعه على الدعوة الإسلامية وفيه تنفير للناس منها، وأن قتل المنافقين حق للرسول إن شاء فعله أو تركه -كما قال بذلك شيخ الاسلام ابن تيمية، ومن الأسباب الخاصة، أن ابن سلول كان كبيرًا في قومه الخزرج وفي مجتمع المدينة، وأنه مرشح للزعامة فيترفق به النبي صلّى الله عليه وسلّم ويأخذ ذلك في الحسبان، وأن ابن سلول الخزرجي القبيلة من قبيلة كان لها من الدور الكبير في مناصرة الإسلام هي والأوس فلم يرد النبي صلّى الله عليه وسلمّ أن يهين كبيرهم أو يقاتله وغيرها من المسوغات، كما أورد الباحث مسوغات استغفار النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن سلول والصلاة على جثمانه بعد تكفينه بقميصه ذكرتها كتب التاريخ، وهذا ما جعل الدكتور الخراشي يرى أن لابن سلول مواقف إيجابية تجاور مواقفه السلبية في العهد المدني من السيرة النبوية الشريفة. وتكرر دارة الملك عبدالعزيز، من خلال مجلتها المحكمة، الدعوة للاهتمام بالوثائق التاريخية واهميتها في كتابة التاريخ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية خاصة أنها تحضر لمشروع علمي يتعلق بتوثيق هذا التاريخ بجوانبه الثلاثة ليضاف للتاريخ السياسي، وذلك من خلال نشر بحث للدكتور محمد بن علي السكاكر الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة القصيم تحت عنوان: «أهمية الوثائق العائلية في كتابة التاريخ المحلي: بريدة انموذجًا» يظهر الأهمية الكبيرة لوثائق الأسر فيما لو تم إتاحتها، ثم التركيز عليها من قبل الباحثين في استظهار مزيد من خبايا التاريخ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي قبيل تأسيس المملكة العربية السعودية وبعده، حيث ستكون هذه المصادر في مجملها إضاءة جيدة لبعض الأخبار والأحداث وتقديم تفسير لها واستكشاف جوانب اجتماعية وثقافية واقتصادية وأيضًا سياسية من خلال ما تلمح له هذا النوع من الوثائق وتقدمه من شذرات واشارات تتيح فرصة المقاربة والمقارنة والتحليل. واستعرض الدكتور محمد السكاكر نماذج من وثائق أسر عاشت ببريدة في القصيم مثل وثائق أسرة (آل بوعليان) ووثائق لأسرة أبا الخيل ووثائق لأسرة العمري كان قد تحصل الباحث على نسخ منها بصفة شخصية، واستجلى الدكتور السكاكر جملة من المعلومات التاريخية تعد ركائز أولية وأمثلة تطبيقية لبحوث ودراسات أوسع أو لمؤلف كبير إذا ما وازن الباحث بها وثائق أخرى، واستشف منها حزمة من المعلومات خاصة في العلاقة بين أمراء القصيم والمواطنين، والحالة الاقتصادية لبيدة -خلال فترة الوثائق محل الدراسة- مثل التجارة وبيع الأملاك الزراعية والمضاربات والعملات النقدية «الزر الأحمر، الغازي الثماني» والأسعار السائدة وعقود الرهن والدّين والوصايا والأوقاف والهبات، والمخاصمات التجارية، والخلافات على الإرث، وبيع المزارع واستئجارها ما يلقي الضوء على حال الزراعة في القصيم بصفة خاصة ونجد بصفة عامة آنذاك، كما استنتج الباحث بعض المعلومات الاجتماعية مثل مكانة المرأة في المجتمع وغيرها، والجوانب الثقافية مثل التعرف على أسماء القضاة والكتاب والنساخ، واختامهم، وأنواع الخطوط السائدة، ولغة الكتابة المنتشرة، ودعا أستاذ التاريخ بجامعة القصيم الباحثين والباحثات الى تقديم مزيد من الدراسات لتلك الوثائق والاهتمام بها بصفتها مصدرًا ثريًا يقدم تفاصيل أدق بعيدًا عن العمومية، واختتم الباحث دراسته بضرورة جمع هذه الوثائق والعناية بها من خلال تصنيفها وفهرستها واستخدام التقنية الحديثة ووسائل الحفظ المتقدمة في ذلك، واقامة محاضرات ولقاءات وورش عمل يكون موضوعها الرئيسي الوثائق العائلية وحفز طلاب الدراسات العليا لدرسها والقاء الضوء عليها. وخصصت عدد (الدارة) الجديد البحث الثالث لدراسة تاريخية تطرقت إلى (نجران في عهد الدولة السعودية الأولى - دراسة في الأوضاع السياسة والعسكرية) للدكتور أحمد بن يحيى آل فائع الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة الملك خالد، حيث رصد التغيرات في العلاقة السياسية والعسكرية بين إقليمنجران والدولة السعودية الجديدة والتي تقلبت من حال إلى حال، بدأت بالحرب في معركة الحائر ثم مهاجمة الدولة للاقليم في فترة ثانية، واستقرارها في المرحلة الثالثة حتى تمت مراسلات بين الطرفين انتهت بمبايعة أهالي نجران للدولة السعودية الأولى وخضوع الإقليم للدولة. وتطرق الدكتور سعيد بن محمد القحطاني عضو هيئة التدريس بقسم التاريخ بجامعة الملك خالد في البحث الأخير للمجلة إلى ميناء العقير خلال فترة الحكم العثماني الثانية (1288-1331ه/1871-1913م) حيث وصف وضعه وأبرز أهميته الإدارية والجمركية وأوضاعه الأمنية، ثم أوضاعه بعد انضوائه تحت الملك عبدالعزيز. كذلك اشتمل العدد على مداخلتين متبادلتين حول صحة نسب الشيخ أحمد بن عطوة الدرعي إلى الدرعية، لكل من فهد بن علي بن جاسم آل خليفة وراشد بن محمد بن عساكر. بجانب احتوائه على نصوص ونسخ وثائق مصاحبة للبحوث المنشورة، واخطارات بالإصدارات الجديدة لدارة الملك عبدالعزيز.